للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثَ أبي سلمةَ، من غير روايةِ مالكٍ بلفظ: "مَنْ صامَ رمضانَ". فهذا ما بَلَغنا من الاختلافِ في إسنادِ هذا الحديثِ وألفاظِه، من روايةِ ابنِ شهابٍ خاصّةً. وقد هَذَّبْنا ذلك ومَهَّدْناه بمَبْلَغِ وُسْعِنا وطاقَتِنا، واللهُ المُعينُ لا شريكَ له.

وفي هذا الحديثِ من الفقهِ: فَضلُ قيامِ رمضانَ، وظاهِرُه يُبيحُ فيه الجماعةَ والانفرادَ؛ لأنَّ ذلك كلَّه فِعْلُ خَيْرٍ، وقد ندَبَ اللهُ إلى فِعْلِ الخَيْرِ.

وفيه: دليلٌ على أنَّ ما أمَرَ به عمرُ وفَعَلَه من قيامِ رمضانَ، قد كان سبَقَ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيه التَّرغيبُ والحَضُّ، فصارَ ذلك من سُنَنِه - صلى الله عليه وسلم -، وقد أوْضَحْنا هذا المعنى في باب ابنِ شهابٍ، عن عروةَ، من كتابنا هذا لأنّه موضِعُه (١).

وفي قولِه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "إيمانًا واحتسابًا" دليلٌ على أنَّ الأعمالَ الصالحةَ إنَّما يَقَعُ بها غُفرانُ الذنوب، وتكفيرُ السَّيئات، مع صِدْقِ النِّيّات؛ يدُلُّكَ على ذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيّات" (٢)، وقولُه لسعدٍ: "لن تُنْفِقَ نفقةً تَبتَغي بها وجْهَ الله إلّا أُجِرْتَ فيها" (٣). ومُحالٌ أنْ يَزْكُوَ من الأعمالِ شيءٌ لا يُرادُ به اللهُ، وفَّقَنا اللهُ لِمَا يَرْضاه، وأصلحَ سرائِرَنا وعَلانِيتَنا برَحْمتِه، آمين.

وقد اختلفَ العلماءُ في قوله في هذا الحديث: "غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِه". فقال قومٌ: يدخُلُ فيه الكبائرُ، وقال قومٌ: لا يدخُلُ فيه الكبائرُ، إلّا أن يقصدَ صاحبُها بالتَّوبةِ إليها، والنَّدَم عليها، ذاكرًا لها. وقد مَضَى القولُ في هذا المعنى، في باب زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن الصُّنابِحيِّ من كتابِنا هذا (٤). واللهُ عزَّ وجلَّ يتفضلُ بما يشاءُ، لا مُعَقِّبَ لحُكْمِه، ولا رادَّ لفَضْلِه، لا إلهَ غيرُه.


(١) يعني عند شرح حديث عروة عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ الذي في الموطأ ١/ ١٧١ (٣٠١).
(٢) أخرجه البخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر بن الخطاب.
(٣) الموطأ ٢/ ٣١١ (٢٢١٩).
(٤) الموطأ ١/ ٦٧ (٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>