للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلَ انقضاء الشَّرْطِ، انصرَف إلى ورَثَتِه، وليس في هذا تَملِيكُ شيءٍ من الرِّقابِ حتى يكونَ فيه ذكْرُ العَقِبِ، وإذا قال المعْطِي: هو لك ولعَقِبِكَ، زال مِلْكُ المُعْطي عنها، وصارت مِلْكًا للمُعْطَى، يُورَثُ عنه. وقد رُوِي عن يزيدَ بنِ قُسَيطٍ مثلُ هذا القولِ أيضًا.

وحُجَّةُ مَن ذهَبَ إليه حديثُ أبي سلمةَ، عن جابرٍ، من روايةِ مالكٍ وغيرِه، عن ابنِ شهابٍ، وقد تقدَّمَ ذِكرُه (١). قالوا: فهذا هو الثابِتُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من روايَةِ الثِّقاتِ الفقهاء الأثْباتِ. قالوا: وليس حديثُ أبي الزُّبيرِ مِمَّا يُعارَضُ به حديثُ ابن شهابٍ، ولا في حديثِ أبي هريرةَ وزيدِ بنِ ثابتٍ ومعاويةَ بيانٌ، وهي مُحتمِلةٌ للتأويل، وحديثُ ابن شهابٍ، عن أبي سلمةَ، عن جابرٍ، حديثٌ مُفَسَّرٌ يرتَفِعُ معه الإشكالُ؛ لأنَّه جعَل لذِكْرِ العَقِبِ حُكْمًا، وللسُّكُوتِ عنه حُكْمًا يُخالِفُه. وبه أفتَى أبو سلمةَ، وإليه كان يذهَبُ ابنُ شهابٍ، وهم رُواةُ الحديثِ، وإليهم يُنْصَرَفُ في تأويلِه، مع موضِعِهم من الفِقْهِ والجلالةِ، وليس مَن خالَفهم مِمَّن يُقاسُ بهم. قالوا: وحديثُ معمرٍ حديثٌ صحيحٌ (٢)، لا معنَى لقولِ مَن تَكَلَّمَ فيه؛ لأنَّ مَعْمَرًا من أثْبَتِ الناسِ في ابنِ شهابٍ، وأحسَنِهم نَقْلًا عنه، لا سيَّما ما حدَّث به باليمنِ من كُتُبِه، وإنَّما وُجِدَ عليه شيءٌ من الغَلَطِ فيما حدَّث به من حِفظِه بالعراقِ، وحديثُه هذا - من روايةِ أهلِ اليمنِ عنه - صحيحٌ. هذا كلُّه معنى ما احتَجَّ به القومُ وَمن ذهَبَ مذهَبَهم، وبالله التوفيقُ.


(١) يعني حديث الباب الذي يشرح عليه ابن عبد البر، وهو في الموطأ ٢/ ٣٠٢ (٢٢٠٠).
(٢) يعني حديثه الذي تقدمت الإشارة إليه في شرح حديث الباب، وهو حديثه عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر، قال: إنما العُمرى التي أجاز رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشتَ فإنها ترجع إلى صاحبها. وقد أخرجه مسلم (١٦٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>