للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أهلِ المدينةِ في تحريمِ المسكرِ؛ قَرْنًا بعدَ قَرْنٍ، يأخُذُ ذلك كافَّتُهم عن كافَّتِهم، وما لأهلِ المدينةِ في شيءٍ من أبوابِ الفقهِ إجماعٌ كإجماعِهم على تحريمِ المسكرِ، فإنَّه لا خلافَ بينَهم في ذلك، وسائرُ أبوابِ العلم قلَّما تَجِدُ فيه قولًا لعراقيٍّ أو لشاميٍّ إلّا وقد تقدَّم من أهلِ المدينة به قائلٌ، إلا تحريمَ المسكِرِ، فإنَّهم لم يَختَلِفوا فيه فيما عَلِمْتُ، ولا يصِحُّ عن عمرَ بنِ الخطابِ ما رُوِيَ عنه في ذلك (١). وما أجمَع عليه أهلُ المدينةِ فهو الحقُّ إن شاء الله. ولم يُجمِعْ أهلُ العراقِ على تَحليلِ المسكِرِ ما لم يَسْكَرْ شارِبُه، لأنَّ جماعةً منهم يذهَبُونَ في ذلك مذهَبَ أهلِ الحِجاز.


(١) يعني في قصة الذي شرب عن سَطيحة لعمر بن الخطاب فسكِر، فأتي به عُمر، فاعتذر إليه، وقال: إنما شربت من سَطيحتك، فقال عمر: إنما أضربك عن السُّكْر، فضربه عمر. وقد أخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢١٨، والعقيلي في الضعفاء ٢/ ١٠٤، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ١٧٨ من طريق سعيد بن ذي حُدّان، أو ابن ذي لعوة، قال، فذكر القصة. وسعيد بن ذي حُدّان لم يُدرك عمر بن الخطاب، وهو مجهول، وابن ذي لعوة جهله ابن المديني وضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يُعبأ بحديثه، مجهول لإنكاره، وقال البخاري: يخالف الناسَ في حديثه لا يُعرف، وقال بعضهم: سعيد بن ذي حُدّان، وهو وهم، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وكذا ضعفه العقيلي وابن الجارود وغيرهما.
والصحيح عن عمر بن الخطاب في ذلك ما رواه عمرو بن ميمون، قال: قال عمر: إنا نشرب هذا الشراب الشديد لنقطع به لحوم الإبل في بطوننا أن يؤذينا، فمن رابَهُ من شرابه شيء فليمزجه بالماء. أخرجه ابن أبي شيبة (٢٤٣٤٦)، ونحوه عن عتبة بن فرقد وهمام بن الحارث عن عمر، عن ابن أبي شيبة أيضًا (٢٤٣٤٧) و (٢٤٣٤٨)، وأسانيدها صحيحة، وعن ابن المسيب عن عمر، عنده كذلك (٢٤٣٤٩)، ومراسيل ابن المسيب عن عمر من أقوى المراسيل كما قال أحمد وغيره.
وأخرج النسائي في الكبرى (٦٨١٣) من طريق عتبة بن فرقد، قال: كان النبيذ الذي شربه عمر قد تخلل. قال ابن حجر في فتح الباري ١٠/ ٤١: إسناده صحيح.
وأخرج نحوه البيهقي ٨/ ٣٠٦ عن نافع مولى ابن عمر. ورجاله ثقات.
وأخرج ابن الأعرابي في معجمه (١٩٤)، والبيهقي ٨/ ٣٠٦ عن عبيد الله بن عمر العمري، قال: إنما كسر عمر النبيذ من شدة حلاوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>