للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف ينزِلُ؟ ولا: من أين جاء؟ ولا: من أين تجلَّى؟ ولا: من أين ينزِلُ؟ لأنَّه ليس كشيءٍ من خلقِه، وتعالى عن الأشياء، ولا شريكَ له. وفي قول الله عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}، دلالةٌ واضحةٌ أنَّه لم يكنْ قبلَ ذلك متجلِّيًا للجبل، وفي ذلك ما يُفسِّرُ معنى حديث التنزيل، ومَن أرادَ أن يقفَ على أقاويلِ العلماءِ في قوله عزَّ وجلَّ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}، فلينظر في "تفسير بَقيِّ بنِ مَخلدٍ"، و"محمدِ بن جريرٍ"، وليقِفْ على ما ذكَرَا من ذاك، ففيما ذكَرا منه كفايةٌ، وبالله العصمةُ والتوفيق.

وفي قول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]، دلالةٌ واضحةٌ لمن أرادَ الله هُداه، أنَّه يُرى إذا شاء، ولم يشأ ذلك في الدُّنيا بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]، وقد شاء ذلك في الجنة بقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣]، ولو كانَ لا يراه أهلُ الجنة لما قال: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}. وفي هذا بيانُ أنَّه لا يُرَى في الدنيا؛ لأنَّ أبصارَ الخلائق لم تُعْطَ في الدُّنيا تلك القوّة، والدليلُ على أنَّه ممكنٌ أن يُرَى في الآخرةِ شَرْطُه في الرُّؤية ما يمكِنُ، من استقرارِ الجبلِ، ولا يستحيلُ وقوعُه، ولو كان محالًا كَونُ الرُّؤية لقَيَّدَها بما يَستحيلُ وُجودُه، كما فعَل بدُخُول الكافرين الجنّة، قُيِّد قبل ذلك بما يستحيلُ من دُخول الجَمَل سَمِّ الخِياط، ولا يَشُكُّ مسلمٌ أنَّ موسى كان عارفًا بربِّه وما يجوزُ عليه، فلو كان عندَه مستحيلًا لم يسألْه ذلك، ولكان بسُؤاله إيّاه كافرًا، كما لو سألَه أن يتَّخِذَ شريكًا أو صاحبةً، وإذا امتنَع أن يُرى في الدُّنيا بما ذكَرنا، لم يكن لقوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، وجهٌ إلّا النظر إليه في القيامة، على ما جاء في الآثار الصِّحاح عن النبيِّ - صلي الله عليه وسلم - وأصحابه وأهلِ اللِّسان، وجعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الرُّؤيةَ لأوليائِه يومَ القيامة، ومَنَعها من أعدائِه،

<<  <  ج: ص:  >  >>