للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى قول، ولكنَّ قولَ مجاهدٍ هذا مَرْدُودٌ بالسُّنةِ الثابتةِ عن النبيِّ - صلي الله عليه وسلم -، وأقاويلِ الصحابةِ، وجمهورِ السَّلَف. وهو قولٌ عند أهلِ السُّنةِ مَهجورٌ، والذي عليه جَماعتُهم ما ثَبتَ في ذلك عن نبيِّهم - صلى الله عليه وسلم -، وليس من العلماءِ أحدٌ إلّا وهو يُؤخَذُ من قوله ويُتركُ، إلّا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومجاهدٌ وإن كان أحدَ المقدَّمين في العلم بتأويلِ القرآن، فإنَّ له قولين في تأويل آيتين، هما مهجوران عندَ العلماء مرغوبٌ عنهما؛ أحدهما: هذا، والآخرُ: قولُه في قولِ الله عزَّ وجلَّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩].

حدَّثنا أحمدُ بنُ عبد الله، قال: حدَّثنا أبو أميةَ الطَّرَسُوسيُّ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ فضيلٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا}، قال: يُوسِّعُ له على العرشِ فيجلسُه معه (١).

وهذا قولٌ مخالفٌ للجماعة من الصحابةِ ومَن بعدَهم، فالذي عليه العلماءُ في تأويل هذه الآية، أنَّ المقامَ المحمودَ: الشَّفاعةُ. والكلامُ في هذه المسألةِ من جهةِ النظرِ يطولُ، وله مَوضِعٌ غيرُ كتابِنا هذا، وبالله التوفيق.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة ١١/ ٤٣٦، وابن أبي عاصم في السنة (٦٩٥)، وأبو بكر الخلال في السنة (٢٤١ - ٢٤٨)، والآجري في الشريعة (١١٠١ - ١١٠٥)، والخطيب في تاريخ مدينة السلام ٤/ ٣٤ من طرق عن محمد بن فضيل، به. وإسناد هذا الأثر ضعيف، لأن مداره على ليث - وهو ابن أبي سليم - وقد انفرد به عن مجاهد، وليث قد ساء حفظُه. وخالفه من هو أجلُّ منه وأوثق، وهو ابن أبي نَجيح، فروى عن مجاهد أن المقام المحمود هو شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أخرجه آدم بن أبي إياس في تفسيره - المطبوع خطأً باسم تفسير مجاهد - ١/ ٣٦٩، والطبري في تفسيره ١٥/ ١٤٤.
وكذلك ابنُ جُريج روى عن مجاهد مثلَه، أخرجه الطبري ١٥/ ١٤٤.
وهذا التفسير أولى كما قال الطبري، لموافقته لما ثبت مرفوعًا عن أبي هريرة وغيره في تفسير المقام المحمود بالشفاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>