للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعتقِ رقبةٍ، قال: لا أجِدُ، قال: "فصُمْ شهرَينِ متتابعَيْن"، قال: لا أستطيعُ، قال: "أطعِمْ ستِّين مسكينًا"، قال: لا أجِدُ (١).

قال الوليدُ: وأخبَرني مالكُ بنُ أنسٍ والليثُ بنُ سعدٍ، عن الزُّهريِّ، عن حُميدِ بن عبدِ الرحمن، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلي الله عليه وسلم - نحوَه.

هكذا قال الوليدُ، وهو وَهَمٌ منه (٢) على مالكٍ. والصوابُ عن مالكٍ ما في "الموطّأ" أنّ رجلًا أفطَر، فخيَّرَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُعتِقَ، أو يصومَ، أو يُطعِمَ. فذَهَب مالكٌ رحمه الله إلى أنّ المفطِرَ عامدًا في رمضانَ؛ بأكلٍ، أو بشربٍ، أو جماع، أنَّ عليه الكفارةَ المذكورةَ في هذا الحديث على ظاهرِه؛ لأنَّه ليس في روايته فِطْرٌ مخصوصٌ بشيءٍ دونَ شيء، فكُلُّ ما وقَع عليه اسمُ فِطرٍ مُتعَمَّدًا، فالكفارةُ لازمةٌ لفاعِلِه على ظاهرِ هذا الحديث.

ورُوِي عن الشعبيِّ في المُفطِر عامِدًا في رمضانَ، أنَّ عليه عِتقَ رقبةٍ، أو إطعامَ ستِّين مسكينًا، أو صيامَ شهرينِ متتابعَيْن، معَ قضاءِ اليوم. وهذا مثلُ قولِ مالكٍ سواءً، إلّا أنَّ مالكًا يختارُ الإطعامَ؛ لأنَّه شِبْهُ البَدَلِ من الصِّيام، ألا تَرى إلى أن الحاملَ والمُرضِع، والشيخَ الكبيرَ، والمُفرِّطَ في قَضاءِ رمضان حتى يدخُلَ عليه رمضانٌ آخرُ، لا يُؤمَرُ واحدٌ منهم بعتقٍ ولا صيام مع القضاء، وإنَّما يُؤمَرُ بالإطعام، فالإطعامُ له مَدخل في الصيامِ ونظائِرُ من الأصول. فهذا ما اختارَه مالكٌ وأصحابُه. وقال ابنُ وَهْب، عن مالكٍ: الإطعامُ أحبُّ إليَّ في


(١) أخرج طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ابن حبان (٣٥٢٦)، والدارقطني (٢٣٠٣)، والبيهقي ٥/ ١٨٦ و ١٠/ ٥٤.
(٢) وقد يكون الوهم فيه من صفوان بن صالح الدمشقي، وهو ثقة، لأن أصحاب الوليد قد رووا عنه طريق الأوزاعي، دون طريقي مالك والليث، ولم يرو طريقي مالك والليث عنه سوى صفوان هذا، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>