للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَره ابنُ وَهْبٍ (١)، قال: أخبَرني عمرُو بنُ الحارث، أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ القاسم حدَّثه، أنَّ محمدَ بنَ جعفرِ بن الزبيرِ حدَّثه، أنَّ عبّادَ بنَ عبدِ الله بنِ الزُّبيرِ حدَّثه، أنَّه سمِع عائشةَ تقول: أتى رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجدِ في رمضانَ، فقال: يا رسولَ الله، احتَرقتُ. فسألَه رسولُ الله - صلي الله عليه وسلم -: "ما شأنُه؟ "، قال: أصبتُ أهلي، قال: "تصدَّقْ"، قال: والله يا نبيَّ الله ما لي شيءٌ، ولا أقدِرُ عليه، قال: "اجلِسْ"، فجلَس، فبينا هو على ذلك إذ أقبَل رجلٌ يسوقُ حمارًا عليه طعامٌ، فقال رسولُ الله - صلي الله عليه وسلم -: "أين المحترِقُ آنفًا؟ "، فقام الرجلُ، فقال رسولُ الله - صلي الله عليه وسلم -: "تصدَّقْ بهذا"، فقال: يا رسولَ الله، أعلى غيرِنا؟ فوالله إنَّا لَجياعٌ، قال: "كُلُوه".

ففي هذا الحديث: بيانُ ما ذهَب إليه مالكٌ رحمه اللهُ في اختيارِه الإطعامَ دونَ غيرِه. وقد كان الشافعيُّ وابنُ عُليّةَ يقولان: إنّ مالكًا ترَك في هذا الباب ما رواه إلى رأيِه. وليس كما ظنّا، والأغلبُ أنَّ مالكًا سمِع الحديثَ؛ لأنَّه مدنيٌّ، فذهَب إليه في اختيارِه الإطعامَ، معَ ما ذكَرناه من شهودِ الأصولِ له بدخولِ الإطعام في البدلِ من الصِّيام، واللهُ أعلمُ.

وقد كان ابنُ أبي ليلَى يقولُ في الذي يأتي أهلَه في رمضانَ نهارًا: هو مخيَّر في العتقِ والصيام. قال: وإن لم يقدِرْ على واحدٍ منهما أطعَم. وإلى هذا ذهَب أبو جعفرٍ محمدُ بن جريرٍ الطبريُّ، قال: لا سبيلَ إلى الإطعام إلّا عندَ العجزِ عن العتقِ والصِّيام، وهو مخيَّرٌ في العتقِ والصيام. وقال الثوريُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، والحسنُ بنُ صالح بن حيٍّ، وأبو ثورٍ، في المُجامع أهلَه في رمضانَ نهارًا: عليه القضاءُ والكفّارةُ (٢). والكفّارةُ عندَهم مثلُ كفّارةِ الظِّهار؛ عتقُ رقَبةٍ، فإنْ لم يجدْ صامَ شهرَيْنِ متتابعَيْن، فإن لم يستطِعْ


(١) في موطئه (٢٩٣)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١١١٢) عن أبي الطاهر، عنه.
(٢) انظر: معالم السنن للخطابي ٢/ ١١٦، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>