للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديثُ فيه؛ فأمّا مالكٌ فلم أجِدْ عنه في ذلك شيئًا منصوصًا، وكان عيسى بنُ دينارٍ يقول: إنَّها على المعسرِ واجبةٌ، فإذا أيسَر أدّاها. وقد يُخرَّجُ قولُ ابنِ شهابٍ على هذا؛ لأنَّه جعل إباحةَ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذلك الرجلِ أكلَ الكفَّارَةِ رُخصةً له وخصوصًا، قال ابنُ شهاب: ولو أنَّ رجلًا فعَل ذلك اليومَ لَمْ يكنْ له بُدٌّ من التَّكفير (١). وقال الأوزاعيُّ - وسُئل عن رجلٍ أفطَر في شهرِ رمضانَ مُتعمِّدًا، فلم يجِدْ كفّارةَ المفطرِ، ولم يقدِرْ على الصِّيام -: أيسألُ في الكفّارة؟ فقال: ردَّ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كفّارةَ المفطرِ على أهلِه، فلْيستغفِرِ اللهَ ولا يعُدْ. ولم يرَ عليه شيئًا إذا كان في وقتِ وجوبِ الكفّارةِ عليه مُعسرًا. وقال الشافعيُّ (٢): قولُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلْه وأطعِمْه أهلكَ" يحتمِلُ معانيَ؛ منها: أنَّه لمّا كان في الوقتِ الذي أصاب فيه أهلَه ليس ممّن يقدِرُ على واحدةٍ من الكفّارات، تطوَّعَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأنْ قال له في شيءٍ أُتيَ به: "كفِّرْ به". فلمّا ذكَرَ الحاجةَ، ولم يكنِ الرجلُ قبَضه، قال له: "كُلْه وأطعِمْه أهلَك"، وجعَل التَّمليكَ له حينئذٍ مع القبض. ويحتمِلُ أن يكونَ لمّا ملَكَه وهو محتاجٌ - وكان إنَّما تكونُ الكفّارةُ عليه إذا كان عندَه فضلٌ، ولم يكنْ عندَه فضلٌ - كان له أن يأكُلَه هو وأهلُه لحاجتِه. ويحتمِلُ في هذا أن تكونَ الكفّارةُ ديْنًا عليه، متى أطاقَها أدّاها، وإن كان ذلك ليس في الخبر، وكان هذا أحبَّ إلينا وأقربَ من الاحتياط. قال: ويحتمِلُ إذا كان لا يقدِرُ على شيءٍ من الكفّاراتِ وكان لغيرِه أن يُكفِّرَ عنه، وأنْ يكونَ لغيرِه أن يتصدَّقَ عليه وعلى أهلِه إذا كانوا محتاجينَ بتلكَ الكفّارةِ، وتجزِئُ عنه. ويحتمِلُ أن يكونَ إذا لَمْ يقدِرْ على شيءٍ في حالِه تلك أن تكونَ الكفّارةُ ساقطةً عنه إذا كان مغلوبًا، كما سقَطتِ الصلاةُ عن المغمَى عليه إذا كان مغلوبًا، واللّه أعلم.


(١) أخرجه عنه عبد الرزاق (٧٤٥٧).
(٢) في الأم ٢/ ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>