للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَساقِه في روايةِ مالكٍ يَدُلُّ على الانقطاع؛ لقولِه: إنَّ عُمرَ بنَ عبدِ العزِيزِ أخَّرَ الصلاةَ يومًا، فدخَل عليه عُروةُ. ولم يَذكُرْ فيه سَماعًا لابنِ شِهابٍ مِن عُروةَ، ولا سَماعًا لعروةَ مِن بَشِيرِ بنِ أبي مسعودٍ. وهذه اللَّفظةُ - أعني "إنَّ" - عندَ جماعَةٍ مِن أهلِ العلم بالحديثِ محمولةٌ على الانقطاعِ، حتى يتبيَّنَ السَّماعُ واللِّقاءُ. ومنهم مَن لا يلتَفِتُ إليها، ويَحمِلُ الأمرَ على المعروفِ من مُجالسةِ بعضِهِم بعضًا، ومشاهدةِ (١) بعضِهِم لبعضٍ، وأخذِهم بعضِهِم عن بعضٍ، فإن (٢) كان ذلك معْروفًا لم يَسألْ عن هذه اللَّفظةِ، وكانَ الحديثُ عندَه على الاتصالِ. وهذا يُشبِهُ أنْ يكونَ مذهبَ مالكٍ؛ لأنَّه في "مُوَطَّئِه" لا يُفرِّقُ بينَ شيءٍ من ذلك.

وهذا الحديثُ مُتَّصِلٌ عندَ أهلِ العلمِ، مسندٌ صحيحٌ، لوجوهٍ:

منها: أنَّ مُجالسةَ بعضِ المذكورين فيه لبعضٍ معلومةٌ مشهُورةٌ.

ومنها: أنَّ هذه القصةَ قد صحَّ شهودُ ابنِ شِهابٍ لما جَرَى فيها بينَ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ وعُروةَ بنِ الزبيرِ بالمدينة، وذلك في أيَّام إمارةِ عمرَ عليها لعبدِ الملكِ وابنِه الوليدِ. وهذا محفوظٌ مِن روايةِ الثقاتِ لهذا الحديثِ عن ابنِ شهابٍ. ونحنُ نذكرُ الرِّواياتِ في ذلك عن ابنِ شهابٍ؛ ليَبِينَ لك ما ذكَرنا، ثم نذكرُ الآثارَ في إمامةِ جبريلَ؛ ليُستَدَلَّ على المرادِ من معنى الحديثِ، فإنَّ العلمَ يُفسِّرُ بعضُه بعضًا، ويَفتحُ بعضُه بعضًا، ثم نَقصِدُ للقَولِ فيما يوجبُه الحديث على ذلك من المعاني، وباللّه العونُ لا شريكَ له.

تُوفِّيَ عمرُ بنُ عبدِ العزِيزِ بنِ مَرْوانَ بنِ الحكم رحِمه اللهُ سنةَ إحدَى ومئةٍ، في رجَبٍ، لخَمسِ ليالٍ بَقِينَ منه، بِحِمصَ، ودُفنَ بِدَيرِ سِمْعانَ (٣) من حِمصَ،


(١) في ج، ف ٢: "ومشاهدتهم".
(٢) في ف ٢: "ولذا".
(٣) معجم البلدان، لياقوت ٢/ ٥١٧، وتفتح السين من سمعان أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>