للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: أشبَعنا القولَ في هذا البابِ؛ لأنَّه رُكنٌ من أركانِ الصلاةِ عظيمٌ، وأصلٌ كبيرٌ، وحديثُ مالكٍ فيه مُستغلِقٌ جدًّا، فبسَطناه، ومهَّدناه بالآثارِ وأقاويلِ العُلماءِ؛ ليكونَ كتابُنا مُغنيًا عمَّا سِواه، كافيًا شافيًا فيما قصدناه.

وأمَّا قولُ عُروةَ: ولقد حدَّثتني عائشةُ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلِّي العصرَ والشمسُ في حُجرتِها قبلَ أن تظهرَ. فمعناه: قبلَ أن يظهَرَ الظِّلُّ على الجِدارِ، يريدُ: قبلَ أن يرتفعَ ظِلُّ حُجرتِها على جُدُرِها، وكلُّ شيءٍ علا شيئًا فقد ظَهَرَ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (٩٧)} [الكهف: ٩٧]، أي: يعلُوا عليه. وقيل: معناه: أن يخرُجَ الظِّلُّ مِن قاعةِ حُجرتِها، وكلُّ شيءٍ خرجَ فقد ظهَرَ، والحُجرةُ: الدَّارُ، وكلُّ ما أحاطَ به حائِطٌ فهو حُجرةٌ، وأصلُ الحُجرة مأخوذٌ من التَّحجيرِ، تقولُ: حجَّرتُ على نفسي. إذا أحَطتَ عليها (١) بحائطٍ.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على قِصرِ بُنيانِهم واختصارِهم فيه؛ لأنَّ الحديثَ إنَّما قُصدَ به تَعجيلُ العصرِ، وذلك إنَّما يكونُ مع قصرِ الحيطانِ، وإنَّما أرادَ بذلك عُروةُ ليُعلِمَ عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ، عن عائشةَ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلِّي العصرَ قبلَ الوَقتِ الذي أخَّرها إليه عُمرُ.

ذكَرَ الحسنُ بنُ عليٍّ الحُلْوانيُّ قال: حدَّثنا عبدُ الصَّمدِ بنُ عبدِ الوارثِ، قال: حدَّثنا حُريثُ بنُ السائِبِ، قال: حدَّثنا الحسنُ، قال: كنتُ أدخُلُ بُيُوتَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأنا محتَلِمٌ، وأنالُ سُقُفَها بيَدي (٢). وذلك في خِلافَةِ عُثمانَ رضي اللهُ عنه.


(١) في ف ٢: "عليك".
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١/ ٥٠٠، ٧/ ١٦١، والبخاري في الأدب المفرد (٤٥٠)، وأبو داود في المراسيل (٤٩٧)، وابن أبي الدُّنيا في قِصَر الأمل (٢٤٥)، والبيهقي في شعب الإيمان ٧/ ٣٩٧ (١٠٧٣٤) من طريق عبد الله بن المبارك، عن حُريث بن السائب، به. وإسناده إلى الحسن البَصْريّ صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>