للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوترُ سنَّةٌ وهو مِن صلاةِ الليلِ؛ لأنَّه بها سُمِّي وترًا، وإنَّما هو وترٌ لها. وقد أوجبَه بعضُ أهلِ الفِقهِ فرضًا وفي قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابيِّ، أنَّه ليسَ عليه غيرُ الخَمسِ إلَّا أن يطَّوَّعَ (١). ما يردُّ قولَه، وسنبيِّنُ ذلك بحُجَّتِه في موضعِه مِن كتابِنا إن شاء اللهُ.

وأوجَب بعضُ التابعينَ قيامَ الليلِ فرضًا، ولو كقَدرِ حَلْبِ شاةٍ (٢). وهو قولٌ شاذٌّ متروكٌ؛ لإجماع العلماءِ على أنَّ قيامَ الليلِ منسوخٌ عن الناسِ بقولِ الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠]. والفرائضُ لا تثبُتُ إلَّا بتقديرٍ وتحصيلٍ، وللكلام في ذلك موضعٌ غيرُ هذا.

وأمَّا الإحدَى عشْرةَ ركعةً المذكورةُ في هذا الحديثِ، فمحملُها عندَنا أنَّها كانت مثنَى مثنَى حاشَى ركعةَ الوترِ، بدليلِ قولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ ابنِ عمرَ: "صلاةُ الليلِ مثنَى مثنَى" (٣). وأنَّ ذلك قد ذكره في هذا الحديثِ جماعةٌ


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٤٨ (٤٨٥) عن عمِّه أبي سُهَيْل بن مالك عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: "جاء رجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد" فذكره. وهو الحديث الثاني من أحاديث أبي سُهَيْل بن مالك عن أبيه. وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٢) يروى هذا عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين فيما أخرجه عنهما ابن أبي شيبة في المصنَّف؛ الأول (٦٦٧٠) عن هشيم بن عبد الرحمن عن أبي الأشهب جعفر بن حيّان العطاردي عن الحسن قال: "صلُّوا من الليل ولو قدْرَ حلْبِ شاةٍ".
والثاني (٦٦٧١) عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن هشام بن حسّان الأزدي، عن محمد بن سيرين: "أنه كان يستحبُّ أن لا يترك الرَّجلُ قيامَ الليل، ولو قَدْرَ حلْبِ شاةٍ".
وهذا أخرجه عبد الله بن أحمد في الزهد ص ٣٠٦ عن أبيه عن روح بن عبادة عن هشام بن حسّان، به.
(٣) أخرجه مالكٌ في الموطأ ١/ ١٨٠ (٣١٩) عن نافع مولى ابن عمر، وعبدِ الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أنّ رجلًا سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاةِ الليل؛ فذكره، وهو الحديث الحادي والعشرون لعبد الله بن دينار عن ابن عمر، وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلامٍ عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>