للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّهما أتَيا عمرَ يَسْألانِه ذلك، ثم أتَيا عثمانَ بعدُ، وذلك معلومٌ. قيل له: أمَّا تَشَاجُرُ عليٍّ والعباسِ، وإقبالُهما إلى عمرَ، فمشْهُورٌ، لكنَّهما لَمْ يَسْألا ذلك ميراثًا، إنَّما سألا ذلك مِن عمرَ ليكونَ بأيدِيهما منه ما كان بيَدِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أيَّامٍ حياتِه، ليَعْمَلا في ذلك بالذي كان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ به في حياتِه، وكان رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يأْخُذُ منه قُوتَ عيالِه (١)، ثم يجعَلُ ما فَضَل في الكُراعِ (٢) والسَّلاح عُدَّةً في سبيلِ الله، وكذلك صنَعَ أبو بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه، فأرادا عمرَ على ذلك؛ لأنَّه موضِعٌ يسُوغُ فيه الاختِلافُ. وأمَّا الميراثُ والتمليكُ، فلا يقولُه أحَدٌ إلَّا الرَّوافِضُ، وأمَّا علماءُ المسلمين، فعلى قَوْلَين:

أحدُهما، وهو الأكثرُ، وعليه الجمهورُ: أنَّ النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يُورَثُ، وما تَرَك صدقَةٌ.

والآخرُ: أنَّ نَبِيَّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُورَثْ؛ لأَنه خَصَّه اللهُ عزَّ وجلَّ بأنْ جعَل مالَه كلَّه صدقةً؛ زيادَةً في فَضِيلَتِه، كما خَصَّه في النِّكَاح بأشياءَ حرَّمها عليه وأباحها لغيرِه، وأشياءَ أباحها له وحرَّمَها على غيرِه. وهذا القولُ قاله بعضُ أهلِ البصرةِ؛ منهم ابنُ عُليَّة (٣)، وسائِرُ علماءِ المسلمين على القولِ الأوَّلِ. وأمَّا الرَّوافِضُ، فليس قولُهم ممَّا يُشتَغَلُ به، ولا يُحكَى مِثْلُه؛ لما فيه مِن الطعنِ على السَّلَفِ والمخالفةِ لسبيلِ المؤمنينَ.

وأمَّا ما ذكرنا من قِصَّةِ عليٍّ والعباسِ في ذلك مع عمرَ، فمحفُوظٌ في غير ما حديثٍ مِن حديثِ الثِّقاتِ، منها:


(١) في ف ٢ و ج: "عامه"، والمثبت من الأصل.
(٢) المراد بالكُراع هنا: الخيل، قال الليث: "الكُراع: اسمٌ يجمع الخيلَ والسلاحَ إذا ذُكر مع السِّلاح. والكُراع: الخيلُ نفسُها". ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ١/ ٢٠٢.
(٣) واسمُه: إسماعيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>