للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيأتي ذكْرُ هذا الحديثِ من روايةِ مالكٍ في بابِ أبي الزِّنَاد من كتابِنا هذا إن شاء الله (١).

قال أهلُ العِلْم: فمساكِنُهنَّ كانت في معنى نَفَقاتِهنَّ، في أنَّها كانت مُستثْناةً لهُنَّ بعدَ وفاتِه ممَّا كان له في حياتِه.

قالوا: ويدُلُّ على صِحَّةِ ذلك أنَّ مساكِنَهنَّ لَمْ يَرثْها عنْهُنَّ ورثَتُهُنَّ. قالوا: ولو كان ذلك مِلْكًا لهُنَّ، كان لا شكَّ قد وَرِثه عنْهُنَّ ورَثَتُهُنَّ. قالوا: وفي تَرْكِ ورَثَتِهنَّ ذلك دليلٌ على أنَّها لَمْ تكنْ لهُنَّ مِلْكًا، وإنَّما كان لهُنَّ سُكنَاها حياتَهنَّ، فلمّا تُوُفِّينَ، جُعِل ذلك زيادَةً في المسجِدِ الذي يَعُمُّ المسلمين نَفْعُه كما فُعِل ذلك في الذي كان لهُنَّ مِن النَّفقاتِ وفي تَرِكةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لمّا مَضَيْنَ لسَبيلِهنَّ، رُدَّ (٢) إلى أصْلِ المالِ، فصُرِف في منافِع المسلمين ممَّا يَعُمُّ جميعَهم نَفْعُه.

وفي حديثنا المذكورِ في أوَّلِ هذا البابِ مِن الفِقْهِ: تَفْسيرٌ لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: ١٦]. وعبارَةٌ عن قولِه تعالى مُخْبِرًا (٣) عن زكَريا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: ٥، ٦]. وتَخصيصٌ للعُمومِ في ذلك، وأنَّ سليمانَ لَمْ يَرِثْ مِن داودَ مالًا خَلَّفَه داودُ بعدَه، وإنَّما ورِثَ منه الحِكمةَ والعِلْمَ، وكذلك وَرِث يحيَى مِن آلِ يعقوبَ، هكذا قال أهلُ العِلْم بتَأويلِ القرآنِ والسُّنةِ، واسْتَدَلوا مع سُنَّةِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المذكور بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: ١٥]. قال المفَسِّرُون: يَعْني عِلْمَ التورَاةِ والزَّبُورِ، والفِقْهَ في الدِّينِ، وفَصْلَ القَضاءِ، وعِلْمَ كَلام الطَّيْرِ والدَّوَابِّ،


(١) عند الحديث السادس عشر لأبي الزِّناد عن الأعرج.
(٢) في ف ٢، ج، م: "زيد"، وهو تحريف ظاهر، والمثبت من الأصل.
(٣) في ٢، م: "عن قول الله عزَّ وجلَّ حاكيًا"، والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>