للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: أن لبنَ الفحلِ يُحرِّمُ. وهذا موضعٌ اختَلف فيه الصحابةُ والتابعونَ وفقهاءُ المسلمين، ومعنَى لبنِ الفحلِ تَحرِيمُ الرَّضاع مِن قِبَلِ الرَّجُل، مثالُ ذلك المرأةُ تُرضِعُ الطفلَ، فيكونُ ابنَها منَ الرَّضاعةِ (١) بإجماع العلماءِ، ويكونُ كلُّ ولدٍ لتلك المرأةِ إخوتَه، وهذا ما لا خلافَ فيه بينَ أحدٍ مِن المسلمين، وبه نزَل القرآنُ، فقال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣]. وسواءٌ كان رَضاعُهم في زمنٍ واحدٍ، أو واحدًا بعدَ واحدٍ، مِن المرأةِ الواحدةِ، هم كلُّهم إخوةُ رضاع بإجماع.

واختَلفوا في زوج المرأةِ المرضِعةِ، هل يكونُ أبًا للطفلِ بأنَّه كان سببَ اللبنِ الذي به أُرضِع؟ وهل يكونُ ولدُه مِن غيرِ تلك المرأةِ إخوةَ الرضيع أم لا؟

فقال جماعةٌ مِن أهل العلم: إن زوجَ تلك المرأةِ أبٌ لذلك الطفل؛ لأن اللبنَ له وبسَبَبِه ومنه، وكلُّ ولدٍ لذلك الرجلِ مِن تلك المرأةِ ومِن غيرِها فهم إخوةُ الصبيِّ المُرضَع، وهذا موضعُ التنازُع.

وفي حديثِ عائشةَ هذا بيانُ تحريم الرَّضاع مِن قِبَلِ الرجال؛ لأنَّ أفْلَحَ المستأذِنَ عليها لم يكنْ بينَه وبينَ أبي بكرٍ الصديقِ رَضاعٌ، ولو كان أبو بكرٍ قد رضَع مع أفْلَحَ هذا امرأةً واحدةً لم تَحجُبْه عائشة، وما كانت عائشةُ ولا مثلُها ممَّن يخْفَى عليه مثلُ (٢) هذا، ولكن لمَّا عَلِمتْ أنَّه ليس بأخ لأبيها مِن الرَّضاع حجَبَتْه، وكانت امرأةُ أخيه أبي القُعَيْسِ قد أرْضَعتْها، فصارتْ أُمَّها مِن الرَّضاع، وصار زوجُها أبو القُعَيْسِ أبًا لها (٣)، فلهذا ما صار أخو أبي القُعَيْسِ عمَّها، ولم تَعلَمْ أن الرجالَ يكونُ الرَّضاعُ واللبنُ مِن قِبَلِهم أيضًا، فحَجَبتْه حتى أعْلَمَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) في ف ٢: "ابن رضاعة"، وفي ج: "ابن رضاع"، والمثبت من الأصل.
(٢) في ف ٢: "يجهل" بدلًا من: "يخفى عليه مثل".
(٣) في الأصل: "أباها".

<<  <  ج: ص:  >  >>