للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا قولُ محمدِ بنِ عمرٍو: إنَّ أبا القُعَيْسِ. فأظُنّه وهمًا، وابنُ شهابٍ فيما نقَل مِن ذلك لا يُقاسُ به غيرُه في حفظه وإتقانِه، فلا حُجَّةَ فيما نزَع به هذا القائِلُ، وكذلك لا حجَّةَ في حديثِ القاسم، عن عائشةَ؛ لأن لها أن تأْذَنَ لمَن شاءَتْ مِن ذوي محارمِها، وتَحجُبَ مَن شاءَتْ، ولو صَحَّ عنها هذا وذاك، لكان المصيرُ إلى السُّنةِ (١) أولى؛ لأن السنةَ لا يَضُرُّها مَن خالفها، والمصيرُ إليها أوْلى، كما صار مَن خالفها في هذه المسألةِ إلى ما رَوَتْه في فَرْضِ الصلاةِ وقَصْرِها، ولم يَصِرْ إلى إتمامِها هي في السفَر. ونحن لا نعلَمُ أن عائشةَ حَجَبتْ مَن حَجَبَتْ ممَّن جرَى ذكرُه في حديثِ القاسِم إلَّا بخبرِ واحِدٍ عن واحد، وبمثلِ ذلك عَلِمْنا حديثَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قصةِ أبي القُعَيْس، فوَجَب علينا العملُ بالسُّنةِ إذا نقَلها العُدولُ، ولم يَجزْ لنا تَرْكُها بغيرِ سُنَّة، فافْهَم.

وقد رُوِي عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما يُوافِقُ حديثَ أبي القُعَيْس، وهو قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "يحرُمُ مِن الرضاعةِ مما يحرُمُ من الولاهة". و: "يحرُمُ مِن الرَّضاعةِ ما يحرُمُ مِن النَّسَب". رواه سعيدُ بنُ المسيِّب، عن عليِّ بنِ أبي طالب، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (٢).

ورواه مالكٌ (٣)، عن عبدِ الله بنِ دينار، عن سليمانَ بنِ يسار، عن عروةَ، عن عائشة.


(١) في الأصل: "المسند"، والمثبت من بقية النسخ.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢/ ٣٣٣ - ٣٣٤ (١٠٩٦)، والترمذي (١١٤٦)، والنسائي في الكبرى ٥/ ١٩٣، والبزار في مسنده ٢/ ١٥٨ (٥٢٥) من طرق عن عليّ بن زيد بن جُدعان عن سعيد بن المسيِّب به. ومتن الحديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف عليّ بن زيد بن جُدعان، وباقي رجاله ثقات.
(٣) الموطأ ٢/ ١٢٦ (١٧٧٨) بلفظ: "يحرُم من الرَّضاعة ما يحرُم من الولادة"، وهو الحديث الثالث والعشرون لعبد الله بن دينار، وسيأتي مع تمام تخريجه في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>