ومعنى هذا الحديثِ المقصودُ بالخطاب إليه الفَضْلُ؛ يريدُ أنَّ صلاةَ أحدِكُم وهو قائمٌ أفضلُ من صلاتِه وهو قاعدٌ مرَّتَين، وضِعْفَين في الفَضْل، وفضلَ صلاتِه وهو قاعدٌ مثلُ نِصفِ صلاتِه في الفضلِ إذا قامَ فيها، وذلك واللَّهُ أعلم، لِما في القيام من المَشَقَّة، أو لِما شاءَ اللَّهُ أنْ يتَفضَّلَ به. وقد سُئل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أفضلِ الصلاة، فقال:"طُولُ القُنُوت"(١).
والمرادُ عذا الحديثِ ومثله صلاةُ النافِلة، واللَّهُ أعلمُ؛ لأنَّ المُصلِّيَ فرضًا جالِسًا، لا يَخلُو من أنْ يكونَ مُطِيقًا على القيام، أو عاجِزًا عنه؛ فإن كان مُطِيقًا وصلَّى جالسًا فهذا لا تُجْزِئُه صلاتُه عندَ الجميع، وعليه إعادَتُها، فكيفَ يكونُ لهذا نصفُ فضلِ مُصلٍّ، بل هو عاصٍ بفعلِه، وأمّا إذا كان عن القيام عاجزًا، فقد سقَط فرضُ القيام عنه إذا لم يَقْدِرْ عليه؛ لأنَّ اللَّهَ لا يُكَلِّفُ نفسًا إلّا وُسْعَها، وإذا لم يَقدرْ على ذلك، صار فرضُه عندَ الجميع أنْ يُصَلِّيَ جالِسًا، فإذا صلَّى كما أُمِر، فليس المُصَلِّي قائمًا بأفضلَ منه؛ لأنَّ كلًّا قد أدَّى فرضَه على وجهِه.
والأصلُ في هذا الباب؛ أنَّ القيامَ في الصلاةِ لمّا وجَب فرضًا بقوله:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة: ٢٣٨]، وقوله:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}[المزمل: ٢]. وقعتِ الرُّخْصَةُ في النافلةِ أنْ يُصلِّيَها الإنسانُ جالسًا من غيرِ عُذْر؛ لكثرتِها واتصالِ بعضِها ببعض.
وأمّا الفَريضةُ فلا رُخصةَ في تركِ القيام فيها، وإنَّما يَسقُطُ ذلك بعدم الاستطاعةِ عليه، وقد أجمَعوا على أنَّ القيامَ في الصلاةِ فرضٌ على الإيجابِ
(١) أخرجه أحمد في المسند ٢٢/ ٢٦٧ (١٤٣٦٨)، ومسلم (٧٥٦) (١٦٥) من حديث أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، وسيشير إليه المصنِّف مرة أخرى بعد قليل.