قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٨/ ٧٠٧: "هذه القراءة لم تُنقَلْ إلّا عمّن ذُكر هنا، ومَن عداهم قرأوا {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} وعليها استقرَّ الأمر مع قوَّة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذُكر معه، ولعلّ هذا ممّا نُسخت تلاوته ولم يبلغ النّسخُ أبا الدرداء ومَنْ ذُكر معه، والعجبُ من نَقْل الحفّاظ من الكوفيِّينَ هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءةُ بالكوفة، ثمّ لم يقرأ بها أحدٌ منهم، وكذا أهلُ الشام حملوا القراءةَ عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحدٌ منهم بهذا، فهذا ممّا يقوِّي أنّ التلاوة بها نُسخت". وقد ردَّ هذا الحديث ابن الأنباري فيما نقل عنه القرطبي في تفسيره ٢/ ٨١ - ٨٢ وأورد له حديثًا آخر بإسناده في قراءة أخرى، لمخالفته رواية الجماعة دون الإشارة إلى مسألة النسخ التي بنى عليها ابن حجر كلامه، فقال: "كلٌّ من هذين الحديثين مردودٌ، بخلاف الإجماع له، وأنّ حمزة وعاصمًا يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه جماعة المسلمين، والبناءُ على سندين يوافقان الإجماع أوْلى من الأخْذِ بواحدٍ يُخالفه الإجماعُ والأُمّةُ، وما يُبنى على رواية واحدٍ إذا حاذاهُ رواية جماعةٍ تخالفه، أُخِذَ برواية الجماعة، وأبطِلَ نقْلُ الواحد؛ لما يجوز عليه من النسيان والإغفال، ولو صحَّ الحديثُ عن أبي الدَّرداء وكان إسناده مقبولًا معروفًا، ثم كان أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ وسائرُ الصحابة - رضي الله عنهم - يُخالفونه، لكان الحكمُ والعملُ بما روتْهُ الجماعة، ورَفْضُ ما يحكيه المنفرِدُ، الذي يُسرِع إليه من النسيان ما لا يُسرع إلى الجماعة، وجميع أهل المِلَّةِ". (١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ١٠١٢٨ (٥٧٠٨) من طريق سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن شُبرمة، به. وفي آخره قال سفيان: وهي في قراءة ابن مسعود هكذا: "عسى الله أن يكُفَّ عن بأس الذين كفروا "بذكر" عن" بدل "من" ولعله تحريف، وأورده السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٦٠٣ وعزاه لابن أبي حاتم ولابن عبد البر. (٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٣/ ٧، وابن أبي داود في المصاحف ص ١٧٠، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٣٥١ (٩٠٢٧) من طرق عن إسرائيل - وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي - عن ثوير عن أبيه عن عبد الله بن مسعود، أنه قرأ: "وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت" بدلًا من "لله" =