للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا في حديثِ عمرٍو القاريِّ: أفأُوصي؟ على الشَّكِّ أيضًا. وأمَّا حديثُ ابنِ شهابٍ، فلم يَختَلِفْ عنه أصْحابُه، لا ابنُ عيينةَ ولا غيرُه، أنَّه قال فيه: أفأتصَدَّقُ بمالي، أو بثُلُثَيْ مالي؟ ولم يَقُلْ: أفأُوصي (١)؟ فإن صَحَّتْ هذه اللفظةُ؛ قولُه: أفأتصدَّقُ؟ كان في ذلك حُجَّةٌ قاطِعَةٌ لما ذهَب إليه جمهورُ أهلِ العلم في هِباتِ المريضِ وصَدَقاتِه وعِتْقِه؛ أنَّ ذلك مِن ثُلُثِه لا مِن جميع مالِه (٢). وهو قولُ مالكٍ، والليثِ، والأوزاعيِّ، والثوريِّ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ وأصحابِه، وأحمدَ، وعامةِ أهلِ الحديثِ والرأي (٣). وحُجَّتُهم حديثُ عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ في الذي أعْتَقَ سِتّةَ أعْبُدٍ في مَرَضِه لا مالَ له غيرُهم، ثم تُوُفِّي، فأعْتَق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منهم اثْنين، وأرَقَّ أرْبَعةً (٤).


= في تعجيل المنفعة ٢/ ٦٧ (٧٩٦)، وترجم لأبيه عبد الله بن عمرو القاري ١/ ٧٥٧ (٥٧٣) وقال: يروي عن أبيه، روى عنه ابنُه عمرٌو، ذكره ابن حبّان في الثقات، استدركه شيخنا الهيثمي".
قلنا: ووقع عند بعضهم "عمرو بن القاري" باضافة "بن" بعد "عمرو"، وقال البيهقيُّ: "هذه الرواية توافق رواية سفيان في أنّ ذلك كان عام الفتح، وسائر الرواة عن الزُّهريّ قالوا فيه: عامَ حجّة الوداع، واختُلف في هذه الرواية على ابن خثيم في اسم حَفَدةِ عمرو بن القاري".
(١) وهذا مردود بما وقع في رواية معمر بن راشد عنه كما في المصنَّف لعبد الرزاق ٩/ ٦٤ (١٦٣٥٧) وعنه أحمد في المسند ٣/ ١٠٩ (١٥٢٤) ففيه عندهما قوله: "أفأوصي بثُلثي مالي؟ ".
(٢) قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٥/ ٣٦٥: "فأمّا التعبير بقوله: أفأتصدَّق؛ فيحتمل التَّنجيز والتعليق، بخلاف: أفأُوصي، لكنَّ المخرَج متَّحدٌ، فيُحمل على التعليق للجمع بين الروايتين، وقد تمسك بقوله: أفأتصدَّق مَن جعل تبرُّعات المريض من الثُّلثِ وحَملُوه على المُنجَّزة، وفيه نظرٌ لِمَا بيَّنتُه".
(٣) وقال ابن المنذر في الإقناع ٢/ ٦٠٨: "وأجمع أهل العلم: على أنّ ما يُحدثه المريض والمَخُوف عليه في مرضه الذي يموت فيه من هبةٍ لأجنبيّ أو صدقةٍ أو عتقٍ أنّ ذلك في ثلث ماله، وأنّ ما جاوز ثُلثَه من ذلك مردود غير جائز إنفاذُه". وينظر: المغني لابن قدامة ٦/ ١٩٢.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ٣٣/ ٥٩ - ٦٠ (١٩٨٢٦)، ومسلم (١٦٦٨) من حديث أبي المهلّب الجرميّ، عنه رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد في المسند ٣٣/ ١٥٨ - ١٥٩ (١٩٩٣٢)، ومسلم (١٦٦٨) (٥٨) من حديث محمد بن سيرين، عنه رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>