للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدليلِ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]. وكان أبو الخثْعَمِيَّة ممن لا يستَطيعُ، فلم يكن عليه الحجُّ، فلما لَمْ يكُنْ ذلك عليه لعَدَم استطاعتِه، كانت ابنتُه مخصوصةً بذلك الجوابِ. وممن قال ذلك: مالِكُ بنُ أَنَسٍ وأصحابُه، وجعلوا أبا الخثْعَمِيَّة مخصوصًا بالحجِّ عنه، كما كان سالمٌ مولى أبي حُذيفةَ عندَهم وعندَ من خالفَهم في هذه المسألةِ مخصوصًا برضَاعِه في حالِ الكبرِ، مع اشتراطِ الله عزَّ وجلَّ تمامَ الرَّضاعةِ في الحولين، فكذلك أبو الخثْعَميَّة مع شَرْطِ الله في وجُوبِ الحجِّ الاستِطاعَةَ؛ وهي القُدْرَةُ (١).

وذهبَ آخرون إلى أنّ الاستطاعةَ تكونُ بالبَدَنِ والقُدْرَة، وتكونُ أيضًا في المالِ لمن لَمْ يستَطِعْ ببدَنِه، واستَدَلُّوا بهذا الحديثِ ومثْلِه، وممن قال ذلك الشافعيُّ (٢).

واختلَفَ العلماءُ في الاستطاعةِ التي عنَى اللهُ عزَّ وجلَّ بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}. فرُويَ عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "السَّبِيلُ: الزَّادُ والرَّاحِلَةُ". وهذا الحديثُ لو صحَّ لكان فَرْضُ الحجِّ في المالِ والبَدَنِ نصًّا، كما قال الشافعيُّ ومن تابَعَه، ولكنَّه حديثٌ انْفَرَدَ به إبراهيمُ بنُ يزيدَ الخُوزيُّ، وهو ضعيف.


(١) قال ابن حجر في فتح الباري ٤/ ٦٩: "وادّعى بعضهم أنَّ هذه القصَّة مختصّة بالخثعمية كما اختصَّ سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير، حكاه ابن عبد البر، وتُعقِّب بأنَّ الأصل عدم الخصوصية، واحتجَّ بعضهم بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين: "حجَّ عنه، وليس لأحد بعده"، ولا حجّة فيه، لضعف الإسنادين مع إرسالهما"، ولينظر ما بعده ٤/ ٧٠. قلنا: الحديثان اللذان أشار إليهما ابن حجر عن عبد الملك بن حبيب رواهما ابن حزم في حجة الوداع (٥٣٦، ٥٣٧) وعلّق قائلًا: "فأمّا الحديث الذي فيه: وليس لأحد بعده، ففي غاية السقوط والوَهْي، لأنَّه مرسلٌ، ومع ذلك فيه مجهولان لا يُعرف من هما، وهما: محمد بن عبد الله بن كريم، وإبراهيم بن محمد بن يحيى. وأحدهما من رواية عبد الملك بن حبيب عن مُطرّف عن مجهولين، مرسلٌ مع ذلك، فهو لا شيء".
(٢) الأم ٢/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>