للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إنَّ قومَكَ يأكُلُونها، فقال: إنَّ قومي لا يَعلَمون. قال سفيان: هذا القولُ أحبُّ إليَّ، فقلتُ لسفيانَ: فأين ما جاء عن عمر (١)، وعليٍّ، وغيرِهما؟ فقال: أليسَ قد نَهى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أكلِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباع؟ فتَرْكُها أحبُّ إليَّ. وبه نأخُذُ.

قال أبو عُمر: ليس أحدٌ من خلقِ اللَّه إلّا وهو يُؤخَذُ من قولِه ويُترَكُ، إلّا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنّه لا يُترَكُ من قولِه إلّا ما ترَكه هو ونسَخَه، قولًا أو عملًا، والحُجَّةُ فيما قال (٢) -صلى اللَّه عليه وسلم-، وليس في قولِ غيرِه حُجَّةٌ، ومن ترَك قولَ عائشةَ في رَضاع الكبيرِ وفي لَبنِ الفحل، وترَك قولَ ابنِ عبّاسٍ في العَوْلِ والمُتْعةِ وغيرَ ذلك من أقاويلِه، وترَك قولَ عمرَ في تَضعيفِ القيمَةِ على المُزَنيِّ (٣)، وفي تَبْدِئَةِ المُدَّعَى عليهم باليمينِ في القَسَامة، وفي أنَّ الجُنُبَ لا يَتيَمَّمُ، وغيرُ ذلك من قولِه كثيرٌ، وترَك قولَ ابنِ عمرَ (٤) في أنَّ الزَّوجَ يَهدِمُ التَّطْليقةَ والتَّطليقتَيْن، وكراهيةِ الوُضُوءِ من ماءِ البحر، وسُؤْرِ الجُنُبِ والحائض، وغيرُ ذلك كثيرٌ، وترَك قولَ عليٍّ في أنَّ المُحدِثَ في الصلاةِ يَبْني على ما مضَى منها، وفي أنَّ بني تَغْلِبَ لا تُؤكَلُ ذبائحُهم، وغيرَ ذلك ممّا رُوَيَ عنه، كيف يَستَوْحِشُ من مُفارقةِ واحدٍ منهم، ومعه السُّنَّةُ الثابتةُ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي المَلْجأُ عندَ الاختلاف؟ وغيرُ نكيرٍ أنْ يَخفَى على الصَّاحبِ والصَّاحبَيْن والثلاثةِ السُّنَّةُ المأثورةُ عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ألا ترَى أنَّ عمرَ في سَعَةِ عِلْمِه، وكثرةِ لُزُومه لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قد خفِيَ


(١) في مصنف عبد الرزاق: "ابن عمر"، وهو خطأ، والصواب ما جاء هنا، والدليل عليه أن ابن التركماني نقل النصّ عن عبد الرزاق في "الجوهر النقي" ٩/ ٣١٩ وفيه: "عمر".
(٢) في ق، ف ١: "قوله" بدلًا من: "فيما قال"، وهو في نسخة أشار إليها ناسخ الأصل في الحاشية.
(٣) يعني الذي سُرقت ناقته، وقصَّته في الموطأ ٢/ ٢٩٤ (٢١٧٨)، والأمّ للشافعي ٧/ ٢٤٤.
(٤) في ف ١: "عمر"، وهو خطأ، والمثبت من الأصل، ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>