للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابنُ القاسم يقولُ: من أسقَط من التكبيرِ في الصلاةِ ثلاثَ تكبيراتٍ فما فوقَها سجَد للسهوِ قبلَ السلام، فإن لم يسجدْ بطَلتْ صلاتُه (١). وهذا يدلُّ على أنَّ عُظْمَ التكبيرِ عندَه وجُملتَه فرضٌ، وأنَّ اليسيرَ منه مُتجاوزٌ عنه، نحوَ التكبير والتكبيرتين.

وقال أصبغُ بنُ الفرج وعبدُ الله بنُ الحكم من رأيِه: ليس على من لم يكبِّرْ في الصلاةِ من أولها إلى آخرِها شيءٌ إذا كبَّر تكبيرةَ الإحرام، ولو فعَل ذلك أحدٌ ساهيًا أستَحِبُّ له سجودَ السهوِ، فإن لم يسجدْ (٢) فلا شيءَ عليه. قالا: ولا ينبغي لأحدٍ أن يتركَ التكبيرَ عامدًا؛ لأنه سنةٌ من سننِ الصلاةِ، فإن فعَل فقد أساء وصلاتُه ماضيةٌ. وعلى هذا القولِ جماعةُ فقهاء الأمصارِ من الشافعيين والكوفيين وأهلِ الحديث (٣).

واختلَف الفقهاءُ في تكبيرةِ الإحرام؛ فذهَب مالكٌ في أكثرِ الرواياتِ عنه والشافعيُّ وأبو حنيفةَ وأصحابُهم إلى أن تكبيرةَ الإحرام فرضٌ واجبٌ من فروضِ الصلاةِ، والحجة لهم (٤): الحديثُ الذي ذكرنا، من حديثِ أبي هريرةَ ورفاعةَ بنِ رافع، عن النبيِّ - صلي الله عليه وسلم -، أنه قال للرجل: "إذا أردتَ الصلاةَ، فأسبغ الوضوء، ثم استقبلِ القبلةَ، ثم كبِّرْ، ثم اقرأْ، ثم اركعْ". وذكر الحديثَ، فعلَّمه ما كان واجبًا، وسكت له عن رفع اليدين، وعن التكبيرِ في كلِّ خفضٍ ورفع (٥)، وعن سائرِ الذكرِ المسنونِ والمستحبِّ، فبان بذلك أنَّ تكبيرةَ الإحرام واجبٌ فعلُها في الصلاةِ، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحريمُ الصلاةِ التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ".


(١) انظر: النوادر والزِّيادات ١/ ٣٦٧، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٧٨.
(٢) ر ١: "يفعلْ".
(٣) انظر: الأم ١/ ١٣١.
(٤) في ر ١، ش ٤: "وحجتهم عندي"، والمثبت من الأصل.
(٥) قوله: "وعن التكبير في كل خفض ورفع" لم يرد في ش ٤، ر ١، وهو ثابت في الأصل، وسقط من الأصل قوله: "وسكت له عن رفع اليدين".

<<  <  ج: ص:  >  >>