للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعلانِ ذلك (١). فكأنَّه ذهَب إلى أنَّ نهيَه عن ذلك منسوخٌ بفعلِه (٢)، واستدلَّ على نسخِه بعملِ الخليفتين بعده، وهما لا يجوزُ أن يخفَى عليهما النَّسخُ في ذلك وغيرِه من المنسوخ مِن سائرِ سُننِه - صلى الله عليه وسلم -.

ومن أوضَح الدلائلِ على أنَّ المتأخِّرَ من ذلك عملُ الخلفاء والعلماء بما عمِلوا به فيه، ولو لم يوجَدْ على ذلك دليلٌ يتبيَّنُ الناسخُ منه من المنسوخ، لكان النظرُ يشهَدُ لحديثِ مالكٍ؛ لأنَّ الأمورَ أصلُها الإباحةُ حتى يثبُتَ الحظرُ، ولا يثبتُ حكمٌ على مسلم إلا بدليل لا معارضَ له، وبالله التوفيقُ.

أخبرنا عبدُ الرحمن، قال: حدَّثنا عليٌّ، قال: حدَّثنا أحمدُ، قال: حدَّثنا سُحنونٌ، قال: حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ، قال: أخبرني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، عن عبَّادِ بنِ تميم، عن عمِّه، أنَّه رأى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مُستلقِيا في المسجدِ، واضِعًا إحدى رجليهِ على الأخرى (٣).


(١) في الموطأ (٤٧٨): عمر وعثمان، وليس فيه ذكر أبي بكر، وهو منقطع وسيأتي تخريجه.
(٢) وفي هذا نظر، إذ الحديث لا يُنسخ إلا بخطاب، ويخصّ بفعل كما ذكر الجَعْبري في رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار، ص ١٤٥، وقد ذهب عددٌ من أهل العلم للنسخ كما فعل ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، ص ٥٠٥، والخطّابي في أعلام الحديث ١/ ٤٠٩ وغيرهما. والنسخ بعيد لأنّه لا يثبت بالاحتمال كما قال ابن حجر في فتح الباري ١/ ٥٦٣، ولا ينسَخ فعلٌ قولًا كما مرَّ.
ويمكن أن تُقبل العلة الأخرى التي ذكرها الخطّابي، وهي خشية انكشاف العورة، وتبعه البيهقي كما في السنن الكبرى ٢/ ٢٢٤ وآخرون، إذ الحديث جمع ثلاثة أمور لعلها تشترك في العلة وهي خشية انكشاف العورة، وهي اشتمال الصَّماء، والاحتباء في ثوب واحد، وأن يرفع إحدى رجليه على الأخرى وهو مُستلقٍ على ظهره. وانظر: التعارض في الحديث، ص ١٣٣.
(٣) أخرجه مسلم في الصحيح (٢١٠٠) عن أبي الطاهر وحرملة، وأبو عوانة في المستخرج ٥/ ٢٧٠ (٨٦٩٣) عن يونس بن عبد الأعلى و (٨٦٩٤) عن بحر بن نصر، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٧٨ عن يونس، والبغوي في الجعديات (٢٨٩١) عن أحمد بن عيسى بن المصري، وابن المقرئ في المعجم ٢٥١ (٨١٩) عن أبي علي الحسين بن علي الفراء، عن الحارث بن مسكين، كلُّهم: عن ابن وهب، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>