للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجمع أهلُ الفقه والحديث على أنَّ الإيمانَ قولٌ وعَمَلٌ، ولا عَمَل إلّا بنيّة، والإيمانُ عندَهم يَزيدُ بالطاعة وَينقُصُ بالمعصية، والطاعاتُ كلُّها عندَهم إيمانٌ (١)، إلّا ما ذُكِر عن أبي حنيفةَ وأصحابه، فإنّهم ذهَبوا إلى أنَّ الطاعاتِ لا تُسمَّى إيمانًا، قالوا: إنّما الإيمانُ: الإقرارُ والتَّصديقُ (٢). ومنهم مَن زاد: والمعرفةُ. قالوا: وهو المعروفُ من لسانِ العربِ ومن السُّنّةِ المجتَمَع عليه، ألا تَرى إلى قولِ الله عزَّ وجلَّ حاكيًا عن بني يعقوبَ عليه السَّلام: {قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: ١٧] أي: بمصدِّق (٣) لا.

قالوا: وإنّما أمَر اللهُ نبيَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ بعَثه إلى الخَلْقِ أن يَدعُوَهم إلى الإيمانِ به، ولهم الجنةُ على ذلك، فدَعاهم إلى شهادةِ أن لا إلهَ إلّا الله، وأنّ محمدًا رسولُ الله، يقولون ذلك، ويُقِرُّون به، ويُصدِّقُونَه فيما جاء به، فكان كلُّ مَن قال ذلك وصَدَّقَ به مُؤمنًا مُستكْمِلَ الإيمان، ثم نزَلَتِ الفرائضُ بعدَ ذلك، وكلُّ مَن مات من الصحابة رضي اللهُ عنه قبلَ نزولِ الفرائض، وقبلَ عَمَلِها، كان مُؤمنًا لا محالة، كاملَ الإيمان. قالوا: فالطاعاتُ لا تُسمَّى إيمانًا، كما أنَّ المعاصيَ لا تُسمَّى كُفرًا. وذكَر بعضُهم حديثَ النبيِّ عليه السَّلامُ إذ سُئِل عن الإيمانِ فقال: "أن تُؤمِنَ باللّه، وملائكتِه، وكُتُبِه، ورُسُلِه، والبَعْثِ بعدَ الموت، والقدرِ خيره وشرِّهِ" (٤).

واحْتَجُّوا منَ الآثارِ المرفوعةِ إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك: بما حَدَّثَنَا عبدُ الوارث بنُ


(١) انظر هذه الإجماعات في كتاب الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطَّان ١/ ٣٤.
(٢) انظر: الفقه الأكبر، ص ٣٠٤، والوصية مع شرحها، ص ٢.
(٣) انظر: تفسير البغوي ١/ ٦٠ و ٤/ ٢٢٢.
(٤) حديث مشهور أخرجه عدد من أهل العلم على رأسهم: البخاري في صحيحه (٥٠)، ومسلم في الصحيح (٩ - ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>