للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عطاءٌ: يُخْلَعُ منه الإيمانُ كما يَخلَعُ المرءُ سِرْبالَه، فإنْ رَجَع إلى الإيمانِ تائبًا رجَع إليه الإيمانُ إن شاء الله. قال: فذَكَرْتُ ذلك لسالم الأفطسِ وأصحابِه، فقالوا: وأين حديثُ أبي الدَّرْداء: "وإن زنَى وإن سرَق"؟ قال: فرَجَعتُ إلى عطاء، فذَكَرْتُ ذلك له، فقال: قلْ لهم: أوَ ليس قد قال الله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١١٠]؟ فدخَل فيه السارقُ وغيرُه، ثم نزلَتِ الأحكامُ والحدودُ بعدُ فلَزِمتْه، ولم يُعْذَرْ في تَركِها، وقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له" (١)، وقال: "الإيمانُ قيَّدَ (٢) الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مُؤمِنٌ" (٣).

قال أبو عُمر: في الحياءِ أحاديثُ مرفوعةٌ حِسانٌ، نذكُرُ منها هاهُنا ما حضَرَنا ذِكْرُه.

حدَّثني أحمدُ بنُ قاسم بن عبدِ الرَّحمن، قال: حَدَّثَنَا قاسمُ بنُ أصبغ، قال: حَدَّثَنَا الحارث بنُ أبي أسامة، قال: حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارون، قال: أخبرنا أبو نعامَةَ العدَويُّ، عن حُميدِ بنِ هلال، عن بُشَيرِ بنِ كعب، عن عمرانَ بنِ حُصَيْن، قال: قال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحياءُ كلُّه خيرٌ". قال بُشَيرٌ: فقلتُ: إنَّ منه ضَعْفًا، وإنَّ منه عَجْزًا، فقال: أخبرتُك عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتُجيبُني بالمعاريض؟ لا أُحدِّثُكَ


(١) سبق تخريجه.
(٢) تقرأ هذه الكلمة بالتَّشديد على أنَّها فعل من التّقييد، فيكون المعنى أن الإيمان قيَّد وحدَّ من الفتن، وتُقرأ (قَيْدُ) بالتخفيف بفتح القاف وإسكان الياء، ويكون معناها أن الإيمان قيد للفتك، فإذا فتك الإنسان يكون قد حلَّ هذا القيد، وعلى هذا فسَّر المنذري الحديث حيث قال في مختصر سنن أبي داود ٤/ ٨٣: والفَتْكَ: أن يأتي الرجل لرجلٍ وهو غارٌّ غافلٌ فيشد عليه فيقتله ... و"الإيمان قيد الفتك" أي: أن الإيمان يمنع من القتل كما يمنع القيد عن التَّصرف، فكأنه جعل الفتك مُقيدًا.
(٣) روي هذا الحديث من عدة طرق منها: طريق الزبير بن العوام رضي الله عنه، أخرجها عبد الرزاق في المصنَّف (٩٦٧٦)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٣٨٥٩٠)، وأحمد في المسند (١٤٢٦)، والحديث عند أبي داود (٢٧٦٩) من طريق أبي هريرة وفي سنده ضعفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>