للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: لا خِلافَ عَلِمتُه بين علماءِ المسلمين من الصحابةِ والتابعين، ومَن بعدَهم من الخالفين، أنَّ المغربَ والعِشاءَ يُجمَعُ بينَهما في وقتِ العِشاءِ ليلةَ النَّحْرِ بالمزدَلفة لإمام الحاجِّ والناسِ معَه (١). واختَلَف العلماءُ فيمَن لَمْ يَدفَعْ معَ الإمام على ما سنَذكُرُه إنْ شاءَ الله.

والمزدَلفةُ هي المَشْعَرُ الحرامُ، وهي جمعٌ؛ ثلاثةُ أسماءٍ لموضع واحد (٢). ومن الدليل على أنَّ ذلك كذلك لإمام الحاجِّ والناسِ في تلك الليلة، قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديثِ أسامةَ بنِ زيد: "الصَّلاةُ أمامَك"، بالمزدَلفة. وسنذكُرُ هذا الحديثَ ووجهَ القولِ فيه في باب موسى بن عُقبةَ من كتابنا هذا (٣) إن شاء اللهُ تعالى.

واختَلَف العلماءُ في هَيئةِ الجمع بينَ الصَّلاتين بالمزدَلفة على وَجْهَين؛ أحدُهما: الأذانُ والإقامة، والآخرُ: هل يكونُ جمعُهما متَّصلًا لا يُفصَلُ بينَهما بعَمَل، أم يجوزُ العملُ بينَهما بعَمل مثلَ العَشاءِ وحَطِّ الرِّحَالِ ونحوِ ذلك؟

فأمّا اختلافُهم في الأذانِ والإقامة، فإنَّ مالكًا وأصحابَه يقولون: يُؤذَّنُ لكلِّ واحدةٍ منهما ويُقَامُ بالمُزْدَلفة (٤). وكذلك قولُه في الظهرِ والعصرِ بعَرَفةَ أيضًا، إلّا أنَّ ذلك في أولِ وَقتِ الظهرِ بإجماع. قال ابنُ القاسم (٥): "قال لي مالكٌ في جَمْع الصَّلاتَيْن بعَرَفةَ وبالمَشْعَرِ الحرام، قال: لكلِّ صلاةٍ أذانٌ وإقامةٌ. قال: وقال مالكٌ: كلُّ شيءٍ إلى الأئمّة، فلكلِّ صلاةٍ أذانٌ وإقامةٌ".


(١) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان ١/ ٢٧٨.
(٢) قال الجصَّاص في أحكام القرآن ١/ ٣٩٠: ولم يختلف أهل العلم أن المشعر الحرام هو مزدلفة، وتسمَّى جمعًا.
(٣) الحديث الأول لمالك عن موسى بن عُقبة.
(٤) مختصر اختلاف العلماء للطَّحاوي ١/ ٣٢٦.
(٥) في المدونة ١/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>