للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديثِ جابر، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا زاغتِ الشَّمسُ، أمرَ بالقَصْواء فرُحلتْ لهُ، وأتى بطنَ الوادي، وخَطَب النّاسَ، ثُمَّ أذَّن بلالٌ، ثُمَّ أقامَ فصلَّى الظُّهر، ثُمَّ أقام فصلَّى العصر، ولم يُصلِّ بينهُما شيئًا، ثُمَّ راح إلى المَوْقِف (١).

قال أبو عُمر: هذا كلُّهُ ما لا خِلافَ بينَ عُلماءِ المُسلِمين فيه، وأمّا وقتُ الرَّواح من مِنًى إلى عرفة، فليسَ هذا مَوْضِعَ ذكره، وكذلك قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "عَرَفةُ كلُّها موقِفٌ، وارتفِعُوا عن بطنِ عُرَنة (٢) " (٣). وسيأتي ذِكرُهُ، ونُوضِّحُ القولَ فيه بموضِعِهِ من كتابنا هذا، وذلك عندَ ذِكرِ مراسيلِ مالك، إن شاء اللهُ.

واختَلف الفُقهاءُ في وقتِ أذانِ المُؤذِّنِ بعرفةَ للظُّهرِ والعصرِ، وفي جُلُوسِ الإمام للخُطبةِ قبلَها، فقال مالكٌ: يخطُبُ الإمامُ طويلًا، ثُمَّ يُؤذِّنُ المُؤذِّنُ وهُو يخطُبُ، ثُمَّ يُصلِّي (٤)؛ ذَكَر ذلك ابنُ وَهْبٍ عنهُ.

وهذا معناهُ أن يخطُبَ الإمامُ صدرًا من خُطبتِهِ، ثُمَّ يُؤذِّنَ المُؤذِّنُ، فيكونَ فراغُهُ معَ فراغ الإمام من الخُطبةِ، ثُمَّ ينزِلَ فيُقيمَ.

وحكى عنهُ ابنُ نافِع، أنَّهُ قال: الأذانُ بعرفةَ بعدَ جُلُوسِ الإمام للخُطبة. وقال أبو حنيفةَ وأبو يُوسُفَ ومحمدٌ (٥): إذا صعِدَ الإمامُ المِنبر أخذ المُؤذِّنُ في الأذانِ، فإذا فَرَع المُؤذِّنُ قام الإمامُ يخطُبُ ثُمَّ ينزِلُ، فيُقيمُ المُؤذِّنُ للصَّلاةِ. وبِمِثلِ ذلك سواءً قال أبو ثورٍ (٦).


(١) سلف تخريجه قريبًا.
(٢) في ض، م: "عرفة".
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٢١ (١١٥١) بهذا اللفظ مرسلًا.
(٤) المدونة ١/ ٤٢٩، والاستذكار ٤/ ٣٢٥، و"بداية المجتهد" لابن رشد، ص ٢٥٣.
(٥) الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني ١/ ١٣٣، والمبسوط للسرخسي ٢/ ٣١، والاستذكار ٤/ ٣٢٥ (ط. العلمية)، وكذلك بقية هذا المجلد. وذكر ابن رشد في بداية المجتهد، ص ٢٥٣، قول أبي حنيفة وحده.
(٦) المغني لابن قدامة ٣/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>