للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال مالكٌ (١): يُصلِّي أهلُ مكَّةَ ومِنًى بعرفةَ ركعتينِ ركعتينِ ما أقامُوا يقصُرُون بالصَّلاةِ، حتّى يرجِعُوا إلى أهليهِمْ، وأميرُ الحاجِّ أيضًا كذلك، إذا كان من أهلِ مكَّةَ قصرَ الصَّلاة بعرفةَ وأيَّامَ مِنًى، قال: وعلى ذلك الأمرُ عندَنا. فإن كان أحدٌ ساكِنًا بمِنًى مُقيَمَا، أتمَّ الصَّلاةَ إذا كان بمِنًى وعرفَةَ أيضًا. كذلك قال مالكٌ.

وأهلُ مكَّةَ يقصُرُونَ الصَّلاةَ بمِنًى، وأهلُ مِنًى يقصُرُونَ الصلاةَ بعرفةَ، وأهلُ عرفَةَ يقصُرُونَ الصَّلاة بمِنًى. وهُو قولُ الأوزاعيِّ سواءً؛ ومن حُجَّتِهِم: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَهُ رضي اللهُ عنهُم لم يُصلُّوا في تلكَ المشاهِدِ كلِّها إلّا ركعتينِ (٢)، وسائرُ الأُمَراءِ هكذا لا يُصلُّون هُنالك إلّا ركعتينِ، فعُلِمَ أنَّ ذلك سُنَّةُ المَوْضِع؛ لأنَّ من الأُمراءِ مكِّيًّا وغيرَ مكِّيٍّ.

واحتجُّوا أيضًا بما رواهُ يزيدُ بن عِياض، عن ابن أبي نَجِيح، عن مُجاهِد، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استعملَ عتّابَ بنَ أَسِيدٍ على مكَّة، وأمَرَهُ أن يُصلِّيَ بأهلِ مكَّة ركعتينِ (٣).

وهذا خبرٌ عندَ أهلِ العِلم بالحديثِ مُنكر، لا تقُومُ به حُجَّةٌ، لضَعفِهِ ونَكارتهِ.

وقال الثَّوريُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، والشّافِعيُّ، وأبو ثورٍ وأحمدُ وإسحاقُ وداودُ: مَن كان من أهلِ مكَّةَ صلَّى بمِنًى وعرَفةَ أربعًا، لا يجُوزُ لهُ غيرُ ذلك (٤).

وحُجَّتُهُم: أنَّ مَن كان مُقيمًا لا يجُوزُ لهُ أن يُصلِّيَ ركعتينِ، وكذلك مَن لم يكُنْ سفَرُهُ سفرًا تُقصَرُ في مِثلِهِ الصلاةُ، فحُكمُهُ حُكمُ المُقيم.


(١) المدونة ١/ ٢٤٩، والاستذكار ٤/ ٣٣٥.
(٢) انظر حديث جابر المطول، بخبر حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سلف تخريجه قريبًا.
(٣) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة ٣/ ٦٦ (١٨٠٦) من طريق ابن أبي نجيح، به، وهو في الاستذكار ٤/ ٣٣٦، وأخرجه الدارقطني في سننه ٢/ ٢٣٩ من حديث ابن عمر، وليس فيه الأمر بالصلاة، وهو مرسل.
(٤) هو في الاستذكار ٤/ ٣٣٦، وانظر قول الشافعي في الأم ٧/ ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>