للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا كلِّهِ دليلٌ على طلبِ الرِّزقِ، والتَّعرُّضِ لهُ والتَّحرُّفِ.

وفيه: أنَّ السُّوقَ يومَ الجُمُعةِ لم يكُنِ النّاسُ يُمنَعُونَه، ومن تَجرَ فيه إلى وقتِ النِّداءِ، فإنَّ ذلك مُباحٌ إلى ذلك الوقتِ؛ لأنَّ الله تعالى إنَّما أمرَ بتركِ البَيْع وبُطلانِ المتاجِرِ بعدَ سماع النِّداءِ، للسَّعيِ إلى ذِكرِ الله، لا لغيرِ ذلك.

قال ابنُ القاسم: قال مالكٌ (١): لا أرى أن يُمنَعَ أحدٌ الأسواقَ يومَ الجُمُعةِ؛ لأنَّها كانت قائمةً في زَمنِ عُمرَ بن الخطّابِ في ذلك الوقتِ. قال: والذّاهِبُ إلى السُّوقِ عُثمانُ. قيل لهُ: أيُمنعُ النّاسُ السُّوقَ قبلَ الأذانِ يومَ الجُمُعةِ؟ قال: لا.

وفيه دليلٌ على أنَّ من أوامِرِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ما يَكُونُ على غيرِ الوُجُوبِ فرضًا، وهذا معرُوفٌ في القُرآنِ والسُّنَّةِ في أوامِرِ الله وأوامِرِ رسُولِهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقد أكثرَ النّاسُ في كُتُبِ الأُصُولِ من إيضاح ذلك، فكرِهتُ ذِكرَهُ هاهُنا.

ومن الدَّليلِ على أنَّ أمرَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالغُسلِ يومَ الجُمُعةِ ليس بفَرْضٍ واجِب: أنَّ عُمرَ في هذا الحديثِ لم يأمُرْ عُثمانَ بالانصِرافِ للغُسلِ، ولا انصرَفَ عُثمانُ حين ذكَّرهُ عُمرُ بذلك، ولو كان الغُسلُ واجِبًا فرضًا للجُمُعةِ، ما أجْزَأتِ الجُمُعةُ إلّا بهِ، كما لا تُجزِئُ الصَّلاةُ إلّا بوُضُوءٍ للمُحدِثِ، أو بالغُسلِ للجُنُبِ، ولو كان كذلكَ، ما جَهِلهُ عُمرُ ولا عُثمان.

وفي هذا كلِّهِ (٢) ما يُوضِّحُ لكَ أنَّ قولَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ، وحديثِ أبي هُريرة: "غُسْلُ الجُمُعةِ واجِبٌ على كلِّ مُحتلِم، كغُسلِ الجنابة" (٣).


(١) انظر: المدونة ١/ ٢٣٤، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني ٦/ ١٦٨.
(٢) مكان هذه الكلمة في ر ١: "الحديث".
(٣) حديث أبي سعيد أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٨٥ (٢٦٩)، وأخرج حديث أبي هريرة ١/ ١٥٧ (٢٦٧) موقوفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>