للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الحديثِ أنَّه كبَّر قبلَ أنْ يَذْكُرَ، وإنما فيه أنَّه لمّا قامَ في مُصلَّاه ذكَر أنَّه لم يَغتسِلْ (١). فاحتمَل أنْ يكونَ ذَكَرَ ذلك قبلَ أنْ يُكبِّرَ، فأمَرهم أنْ يَنتظِرُوه. فلو صحَّ هذا لم يكنْ في هذا الحديثِ معنى يُشكِلُ حينئذٍ؛ لأنَّ انتظارَهم لو كان وَهُمْ في غيرِ صلاةٍ لم يكنْ في ذلك شيءٌ يُحتاجُ إليه في هذا البابِ. واحتمَل أنْ يكونَ قولُه: "فلمَّا قام في مُصلَّاه". أيْ: قام في صلاتِه. فلمَّا احتمَل الوجهينِ كانتْ روايةُ مَن روَى أنَّه كان كبَّر، يُفسِّرُ ما أبْهَمَ مَن لم يَذكُرْ ذلك؛ لأنَّ الثِّقاتِ من رُواةِ مالكٍ والشافعيِّ قالوا فيه: إنَّه كبَّر ثم أشار إليهم أن امكُثُوا (٢). وقد ظنَّ بعضُ شُيوخِنا أنَّ في إشارتِه إليهم أنِ امكُثُوا، دليلًا على أنَّه بنَى بهم، إذِ انصرَف إليهم؛ لأنَّه لم يتكلَّمْ. وهذا جهلٌ وغلطٌ فاحشٌ، ولا يَجوزُ عندَ أحدٍ من العلماءِ أنْ يبنيَ على ما صنَع وهو غيرُ طاهرٍ. وسنُبَيِّنُ هذا المعنَى بعدُ في هذا البابِ إن شاء اللَّهُ.

وقد جاء في روايةِ الزُّهريِّ: "فقال لهم"، وجاء في حديث أبي بَكْرَةَ: "فأومَأَ إليهم". وكلامُه وإشارتُه في ذلك سواءٌ؛ لأنَّه كان في غيرِ صلاةٍ.

حدَّثنا عبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ (٣)، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبَغ، قال: حدَّثنا


(١) يريد: رواية كلِّ مَن رواه عن الزُّهري، وليس في رواية يونس بن يزيد الأيلي، عنه، كما يُوهم ظاهر كلام المصنِّف رحمه اللَّه.
(٢) وقد حاول بعض العلماء التوفيق بين الروايات بإمكان الجمع بينهما، وفي هذا قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" ٢/ ١٢٢: "ويمكن الجمع بينهما بحَمْل قوله: كبَّر على أراد أن يُكبِّر، أو بأنّهما واقعتان، أبداهُ عياضٌ والقرطبيُّ احتمالًا، وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم به ابن حبّان كعادته، وإلّا فما في الصحيح أصحُّ، ودعوى ابن بطّال أنَّ الشافعيَّ احتجَّ بحديث عطاء (يعني حديث هذا الباب المرسل) على جواز تكبير المأموم قبل الإمام، فناقَضَ أصله، فاحتجَّ بالمرسل، مُتَعَقَّبُهُ: بأنّ الشافعيَّ لا يَرُدُّ المرسَل مطلقًا، بل يحتجُّ بما يعتضد، والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة". قلنا: وهذا توجيهٌ مُعتَبرٌ منه رحمه اللَّه، وحديث أبي بكرة رضي اللَّه عنه الذي أشار إليه، هو الآتي تخريجه مباشرة.
(٣) هو ابن جبرون القرطبي، وشيخه قاسم بن أصبغ: هو البيانيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>