للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وأوقَدُوا النِّيران، وأشعلُوها في السَّعفِ (١)، وجعلُوا يَلْتمِسُونَ ويَشْتدُّون في كلِّ وَجْهٍ، ويطلُبُون، وأخْفَى الله عليهِم مكاننا، فلمّا يَئسُوا رَجَعُوا إلى صاحبِهِم فاكْتَنَفُوهُ، فقال بعضُ أصحابِنا: أنذهبُ ولا نَدْري أماتَ عدُوُّ الله أم لا؟ فخرجَ رجُلٌ مِنَّا، فانطلَقَ حتَّى دخَلَ في النّاسِ، فوجَدَ امرأتهُ تَبْكيهِ، وفي يَدِها المِصباحُ، وحَوْلهُ رِجالٌ يهودٌ، فقال قائل منهُم: أما واللّه لَقَد سَمِعتُ صوتَ ابن عَتِيكٍ. وقال ابن إسحاقَ: وفي يَدِها المِصباحُ تَنْظُرُ في وجهِهِ، وتُحدِّثُهُم، وتقولُ أما واللّه لقَدْ سمِعتُ صوتَ ابن عَتيكٍ. ثُمَّ اتَّفقا، ثُمَّ أكذبتُ نَفْسي وقلتُ: وأَنَّى ابن عَتِيكٍ بهذه البِلادِ؟ ثُمَّ أقْبَلَتْ عليه تنظُرُ في وجهِهِ، ثُمَّ قالت: فاظَ (٢) وإلَهِ يهودَ. قال: فما سَمِعتُ كَلِمةً كانت ألَذَّ إلى نَفْسي منها. قال مَعْمرٌ في حديثِه: ثُمَّ جِئتُ فأخبرتُ أصحابي أنَّهُ قد ماتَ، فاحْتَملنا صاحِبنا، فَجِئنا النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخْبَرناهُ بذلكَ - وقال ابن إسحاقَ: ثُمَّ جاءَنا فأخْبَرنا الخبَرَ، فاحتمَلْنا صاحِبنا، فقَدِمنا على رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرناهُ بقَتْلِ عدُوِّ الله - واخْتَلَفنا عِندهُ في قَتْلِهِ، كلُّنا يَدَّعيهِ، فقال رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هاتُوا أسْيافكُم" قال: فَجِئناهُ بها، فنظَرَ إليها، فقال: لسَيفِ عبدِ الله بن أُنيس: "هذا قَتَلهُ" رأى فيه أثرَ الطَّعام. قال معمر: جاؤُوهُ يوم الجُمُعةِ، والنَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المِنبرِ يخطُبُ، فلمّا رآهُم قال: "أفْلَحتِ الوُجُوهُ".

وقال ابن إسحاقَ: فقال حسّانُ بن ثابتٍ، يذكُرُ قتلَ ابن الأشرَفِ وقتلَ سلّام بن أبي الحُقيق:

للّه دُرُّ عِصابةٍ لاقيتَهُم ... يا ابن الحُقيقِ وأنتَ يا ابن الأشْرفِ

يَسرُون بالبيضِ الخِفافِ إليكُمُ ... مَرَحًا كأُسْدٍ في عَرينٍ مُغرفِ (٣)


(١) السَّعَف، محركة، جريد النخل. انظر: المقاموس المحيط، ص ١٠٥٨.
(٢) فاظ: مات. انظر: لسان العرب ٧/ ٢١١.
(٣) المغرف والغريف: الشجر الملتف. انظر: لسان العرب ٩/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>