للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسنُ ما قيلَ في قَصْرِ عائشةَ، وإتمامِها، أنَّها أخذَتْ برُخْصةِ رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لتُري النّاس أنَّ الإتمام ليسَ فيه حرجٌ، وإن كانَ غيرُهُ أفضلَ، فإنَّ الله يُحِبُّ أن تُؤتى رُخَصهُ، كما يُحِبُّ أن تُؤتى عَزائمُهُ.

ولعلَّها كانت تذهبُ إلى أنَّ القصرَ في السَّفرِ رُخصةٌ، وإباحةٌ، وأنَّ الإتمامَ أفضلُ، فكانت تفعلُ ذلكَ، وهي التي رَوَت عن رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّهُ لَمْ يُخيَّر بينَ أمْرَينِ قطُّ، إلّا اختارَ أيسرَهُما، ما لَمْ يكُن إثمًا (١).

فلعلَّها ذهَبَتْ إلى أنَّ رسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْترِ القصرَ في أسفارِهِ، إلّا تَوْسِعةً على أُمَّتِهِ، وأخذًا بأيَسْرِ أمرِ الله.

وبنَحْوِ هذا القولِ، ذكَرنا جوابَ عطاءِ بن أبي رباح، فيما تقدَّمَ عنهُ: أنَّ القصرَ سُنَّةٌ، ورُخصةٌ. وهُو الذي روى عن عائشةَ، ما حَدَّثَنَا سعيدُ بن نصرٍ، قال: حَدَّثَنَا قاسِمُ بن أصبَغَ، قال: حَدَّثَنَا ابن وضّاح، قال: حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شَيْبةَ، قال (٢): حَدَّثَنَا وكيعٌ، قال: حَدَّثَنَا المُغيرةُ بن زيادٍ، عن عطاءٍ، عن عائشةَ: أنَّ رسُولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يُتِمُّ في سَفرِهِ ويَقْصُرُ.

وقد أتمَّ جماعةٌ في السَّفرِ، منهُم: سعدُ بن أبي وقّاصٍ (٣)، وعُثمانُ بن عفّانَ، وعائشةُ. وقد عابَ ابن مسعُودٍ عُثمان بالإتمام وهُو بمنى، ثُمَّ لمّا أقامَ الصَّلاةَ عُثمانُ، مرَّ ابن مسعُودٍ، فصلَّى خلفهُ، فقيل لهُ في ذلكَ، فقال: الخِلافُ شرٌّ. ولو أنَّ القصرَ عِندهُ فَرْضٌ، ما صلَّى خلفَ عُثمان أربعًا.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٨٦ (٢٦٢٧).
(٢) في المصنَّف (٨٢٧١). وأخرجه الدارقطني في سننه ٣/ ١٦٤ (٢٢٩٩)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ١٤١، من طريق المغيرة بن زياد، به. وإسناده حسن، فإن المغيرة بن زياد صدوق.
(٣) سيذكره المؤلف وإسناده لاحقًا، وكذا ما بعده، ويخرج كلّ حديث في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>