للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسّابعَ، وصلَّى الصُّبح بالأبطح في اليوم الثّامنِ، فهذه إحْدَى وعِشرُونَ صلاةً قصَرَ فيها في هذه الأيام، وقد أجمعَ على إقامتِها، فمن أجمَعَ أن يُقيمَ كما أقامَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصَرَ، فإن أجمعَ على أكثرَ من ذلكَ أتمَّ. قلتُ لهُ: فلِمَ لا تقصرُ فيما زادَ على ذلكَ؟ قال: لأنَّهُمُ اختلفُوا فنأخُذُ بالاحتياطِ، ونُتِمُّ. قيل لأحمدَ بن حَنْبل: فإذا قال: أخرجُ اليومَ، أخرجُ غدًا، يقصُرُ؟ قال: هذا شيءٌ آخرُ، هذا لَمْ يعزِمْ.

قال أبو عُمر: أصحُّ شيءٍ في هذه المسألةِ قولُ مالكٌ، ومن تابَعهُ، والحُجَّةُ في ذلكَ حديثُ العلاءِ بن الحَضرميِّ، عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّهُ جعلَ للمُهاجِرِ أن يُقيمَ بمكَّةَ ثلاثةَ أيام، ثُمَّ يصدُرُ (١).

ومعلُومٌ أنَّ الِهجْرةَ إذا كانت مُفْتَرضةً قبلَ الفتح، كان المُقامُ بمكَّةَ لا يجُوزُ ولا يحِلُّ، فجعَلَ رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمُهاجِرِ ثلاثةَ أيام، لتَقْضيةِ حَوائجِهِ، وتهذيبِ أسبابِهِ، ولم يحكُم لها بحُكم المُقام، ولا جعَلَها في حيِّزِ الإقامةِ، لأنَّها لَمْ تكُن دار مُقام، فإذا لَمْ يكُن كذلكَ، فما زادَ على الثَّلاثةِ أيام إقامةٌ لمن نَواها، وأقلُّ ذلكَ أربعةُ أيام، ومن نَوَى إقامةَ ثلاثةِ أيامٍ فما دُونها، فليسَ بمُقيم، وإن نَوَى ذلكَ، كما أنَّهُ لو نَوَى إقامةَ ساعةٍ أو نحوِها، لَمْ يكُن بساعتِهِ تِلكَ داخِلًا في حُكم المُقيم، ولا في أحوالِهِ.

ومن الحُجَّةِ أيضًا في ذلكَ، أنَّ عُمرَ رضي الله عنهُ حين أجْلَى اليهُودَ، جعل لهم إقامةَ ثلاثةِ أيام في قَضاءِ أُمُورِهِم (٢). وإنَّما نفاهُم عُمرُ، لقولِ رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يَبْقَى دينانِ بأرضِ العربِ" (٣). إلا تَرَى أنَّهُم لا يجُوزُ تركُهُم بأرضِ العربِ


(١) يأتي لاحقًا بإسناده، ويخرج في موضعه.
(٢) أخرجه البيهقي في الكبرى ٣/ ١٤٧، ١٤٨، ٩/ ٢٠٩، وانظر: الموطأ ٢/ ٤٧١ (٢٦٠٨) بخبر الإجلاء.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٧٠ - ٤٧١ (٢٦٠٦، ٢٠٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>