للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأثرمُ (١): قلتُ لأبي عبدِ الله، يعني أحمدَ بن حَنْبل: يُجمعُ بين الصَّلاتينِ، الظُّهر والعصر في المطرِ؟ قال: ما سمِعتُ، قلتُ لهُ: فالمغرِبِ والعشاءِ؟ قال: نعم. قلتُ لهُ: فسُنّةُ الجمع بين المغرِبِ والعشاءِ عِندكَ مغيبُ الشَّفقِ؟ قال: نعم، وفي السَّفرِ يُؤَخَّرُ حتّى يغيبَ الشَّفقُ.

وقال الشّافِعيُّ: يُجمعُ بين الظُّهرِ والعَصر، وبين المغرِبِ والعشاءِ في المطرِ، إذا كان المطرُ قائمًا دائمًا، ولا يُجمَعُ في غيرِ حالِ المطرِ (٢).

وبه قال أبو ثَوْرٍ، والطَّبريُّ، لحديثِ ابن عبّاسٍ هذا: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جمَعَ بين الظُّهرِ والعصرِ، وبينَ المغرِبِ والعِشاءِ، في غيرِ خَوْفٍ ولا سفرٍ. وتأوَّلُوا ذلكَ في المطرِ (٣).

وقال أبو حَنيفةَ وأصحابُهُ (٤): لا يَجمَعُ أحدٌ بينَ الصَّلاتينِ في المَطَرِ، لا الظُّهرَ والعصرَ، ولا المغرِبَ والعشاءَ. وهُو قولُ اللَّيثِ بن سعدٍ، وأكثرِ أصحابِ داود.

ومن حُجَّتِهِم: أنَّ حديثَ ابن عبّاسٍ هذا، ليسَ فيه صِفةُ الجَمْع، ويُمكِنُ أن يكونَ أخَّرَ الظُّهرَ إلى آخِرِ وقتِها، وجمعَ بينها وبين العصرِ في أوَّلِ وَقْتِها، وصنَعَ كذلك بالمغرِبِ والعِشاءِ، وهذا قد يُسمَّى جمعًا. قالوا: ولسنا نُحيلُ أوقاتِ الحَضَرِ، إلّا بيقينٍ.

وقالت طائفةٌ: الجَمْعُ بين الصَّلاتينِ مُباحٌ في الحَضَر، وإن لم يكُن مَطرٌ، إذا كان عُذرٌ يَحرُجُ به صاحِبُهُ ويشُقُّ عليه، واحْتَجُّوا بأنَّهُ رُوِيَ عن ابن عبّاسٍ في هذا الخبرِ: في غيرِ خوفٍ ولا مَطَرٍ. وأنَّهُ قيل لهُ: لِمَ فعل ذلك يا ابنَ عبّاسٍ؟ قال: أرادَ أن لا يُحرِجَ أُمَّتَهُ.


(١) المغني ٢/ ٢٠٥.
(٢) الحاوي الكبير ٢/ ٣٩٨، والإشراف لابن المنذر ١/ ٤١٧.
(٣) الإشراف لابن المنذر ١/ ٤١٧.
(٤) مختصر اختلاف العلماء ١/ ٢٩٢، وتبيين الحقائق ١/ ٨٨، ومجمع الأنهر ١/ ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>