للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما عاد إليه بعْدُ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذوا منها أحدَهُما، ورُدُّوا عليها الآخَرَ"، ثم سِرْنا ورسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كأنّما على رؤوسِنا الطيرُ تُظِلُّنا، فإذا جَمَلٌ نادٌّ (١)، حتى إذا كان بينَ السِّماطَين (٢) خَرَّ ساجِدًا، فحبَس رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الناس وقال: "مَن صاحبُ هذا الجَمَل؟ " فإذا فِتيَةٌ من الأنصارِ قالوا: هو لنا يا رسولَ اللَّه. قال: "فما شأنُه؟ " فقالوا: استَتَيْنا عليه (٣) منذُ عشرين سنة، وكانت به شُحَيْمَةٌ فأرَدْنا أن نَنْحَرَه فنَقْسِمَه بينَ غِلمانِنا، فانْفَلتَ مِنّا. فقال: "أتَبِيعُونَنِيه؟ " قالوا: لا، بل هو لك يا رسولَ اللَّه. قال: "أمّا لا، فأحسِنُوا إليه حتّى يَأتيَه أجَلُه".

قال المسلمون عندَ ذلك: نحن أحقُّ يا رسولَ اللَّه بالسُّجودِ لكَ من البهائم. قال: "لا ينبغي لشيءٍ أن يَسجُدَ لشيء، ولو كان ذلك كان النِّساءُ يَسجُدْنَ لأزواجِهِنَّ".

وروَى ابنُ وَهْب، قال: أخبَرني عمرُو بنُ الحارث، عن سعيدِ بنِ أبي هلال، عن عُتبةَ بنِ أبي عُتْبَة، عن نافع بنِ جُبَيرِ بنِ مُطْعِم، عن عبدِ اللَّه بنِ عبّاس، أنه قيل لعُمرَ بنِ الخطّاب في شأنِ العُمرة، فقال عُمر: خرَجْنا مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى تبوكَ في قيْظٍ شديد، فنزلْنا منزلًا أصابَنا فيه عطشٌ، حتّى ظننّا أنّ رِقابَنا ستَنْقَطِعُ، حتى إنْ كان الرّجُلُ ليَذهَبُ فيَلتَمِسُ الماءَ فلا يرجعُ حتى يظُنَّ أنّ رقَبتَه ستَنقطعُ، حتى إن الرّجُلَ لَينْحَرُ بعيرَهُ فيَعْصِرُ فرْثَهُ فيَشرَبُه، ويجعلُ ما بقِيَ على كبدِه، فقال أبو بكر الصِّدِّيق: يا رسولَ اللَّه، إنّ اللَّهَ قد عوَّدكَ في الدُّعاءِ خيرًا فادْعُ لنا،


(١) يعني: شاردٌ. الصحاح (ندد).
(٢) قوله: "بين السِّماطين" السِّماطان: مثنى السِّماط: وهو الجانب، قال الجوهريُّ: "والسِّماطان من النَّخل والناس: الجانبان". الصحاح (سمط).
(٣) قوله: "اسْتَنَيْنا عليه" يعني سَقَيْنا عليه. يقال: سَنَتِ الناقةُ تسْتُو سَناوَةً وسَنايةً: إذا سَقَتِ الأرض، وهي السانية. الصحاح (سنأ)، ومقاييس اللغة ٣/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>