للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مَضَى القولُ في قَدَم المرأةِ، هل هي عَوْرةٌ أم لا؟ في بابِ ابن شِهابٍ.

وجرُّ المرأةِ الحُرَّةِ (١) ذَيْلَها معرُوفٌ مشهُورٌ، قال عبدُ الرَّحمنِ بن حسّان بن ثابتٍ، في أبياتٍ لَهُ (٢):

كُتِب القتلُ والقِتالُ علينا ... وعلى الغانياتِ جرُّ الذُّيُولِ (٣)

اختلَفَ الفُقهاءُ في طَهارةِ الذَّيل على المَعْنى المذكُورِ في هذا الحديثِ، فقال مالكٌ: مَعناهُ في القَشْبِ اليابِسِ، والقَذَرِ الجافِّ، الذي لا يتَعلَّقُ منهُ بالثَّوبِ شيءٌ، فإذا كان هكذا، كان ما بعدهُ من المَواضِع الطّاهِرةِ حينَئذٍ تَطْهيرًا لهُ (٤).

وهذا عِندَهُ على أنّهُ (٥) ليسَ تَطْهيرًا من نَجاسةٍ، لأنَّ النَّجاسةَ عِندَهُ لا يُطهِّرُها إلّا الماءُ، وإنَّما هُو تَنْظيفٌ، لأنَّ القَشْبَ اليابِسَ ليسَ يُنجِّسُ ما مَسَّهُ، ألا تَرى أنَّ المُسلمينَ مُجمِعُونَ على أنَّ ما نَسَفَت الرِّياح (٦) من يابِسِ القَشْبِ، والعَذِراتِ، التي قد صارَتْ غُبارًا على ثِيابِ النّاسِ ووُجُوهِهِم، لا يُراعُونَ ذلك، ولا يأمُرُونَ بغسلهِ، ولا يغسِلُونهُ، لأنَّهُ يابِسٌ، وإنَّما النَّجاسةُ الواجِبُ غسلُها، ما لصقَ منها وتَعلَّقَ بالثَّوبِ، أو بالبَدَن (٧)، فعلى هذا المحمل حملَ مالكٌ، وأصحابُهُ حديث طهارةِ ذيل المرأةِ.


(١) في الأصل: "الحارة"، ولا معنى لها، وسقطت اللفظة في م، ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
(٢) انظر: بهجة المجالس ٢/ ٥٤ - ٥٥.
(٣) البيت في الأغاني ٩/ ٢٦٤ ونسبه هو والمبرد في الكامل ٣/ ١٨٠ إلى عمر بن أبي ربيعة، وفي الكامل: "المحصنات".
(٤) انظر: الاستذكار ١/ ١٧١، والذخيرة للقرافي ١/ ٢٠٠، والتاج والإكليل لابن المواق ١/ ٢٢٠.
(٥) قوله: "على أنه" سقط من م.
(٦) في بعض النسخ، م: "سفت الريح"، وهما بمعنى، والمثبت من الأصل.
(٧) في م: "والبدن".

<<  <  ج: ص:  >  >>