للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ حبيب: ومن ذلكَ أيضًا: أن تكونَ البِئرُ لأحَدِ الرَّجُلينِ في حائطِهِ، فيحتاجُ جارُهُ، وهُو لا شرِكةَ لهُ في البِئرِ، إلى أن يَسْقي حائطهُ بفَضْلِ مائها، فذلكَ ليسَ لهُ، إلّا أن تكونَ بئرُهُ تَهوَّرت، فيكونَ لهُ أن يَسْقي بفضلِ ماءِ جارِهِ، إلى أن يُصلِحَ بئرهُ، ويُقضَى لهُ بذلك، ويدخُلُ حينَئذٍ في تأويلِ الحديث: لا يُمنَعُ نقعُ بِئْرٍ.

قال: وليسَ للَّذي تَهوَّرتْ بئرُهُ أن يُؤَخِّر إصلاحَ بئرِهِ، ولا يُتركُ والتَّأخير، وذلكَ في الزَّرع الذي يخافُ عليه الهلاك إن مُنِعَ السَّقيُ، إلى أن يُصلِحَ البِئرَ.

قال: فأمّا أن يُحدِثَ على البِئرِ عَملًا، من غَرْسٍ أو زَرْع ليَسْقيهُ بفَضْلِ ماءِ جارِهِ، إلى أن يُصلِحَ بئرَهُ، فليسَ ذلك لهُ.

قال: وهكذا فسَّرهُ لي مُطرِّفٌ وابنُ الماجِشُونِ عن مالكٍ، وفسَّرهُ لي أيضًا ابنُ عبدِ الحَكَم وأصْبَغُ بن الفَرج، وأخبرني أنَّ ذلكَ قولُ ابن وَهْب، وابنِ القاسم، وأشْهَب، ورِوايتُهُم عن مالكٍ.

واختلفُوا أيضًا في التَّفاضُلِ في الماءِ، فقال مالكٌ: لا بأسَ ببَيعْ الماءِ بالماءِ مُتفاضِلًا، وإلى أجَل. وهُو قولُ أبي حَنِيفةَ، وأبي يُوسُفَ (١).

وقال محمدُ بن الحسن: هُو مِمّا يُكالُ، ويوزَنُ، فعَلَى هذا القول، لا يجُوزُ عِندَهُ فيه التَّفاضُلُ، ولا النَّساء، وذلكَ عِندَهُ فيه رِبًا، لأنَّ عِلَّتهُ في الرِّبا: الكَيْلُ والوَزْنُ.

وقال الشّافِعيُّ: لا يجُوزُ بيعُ الماءِ مُتفاضِلًا، ولا يجُوزُ فيه الأجَلُ. وعِلَّتُهُ في الرِّبا أن يكونَ مأكُولًا جِنسًا.

وقد مَضى القولُ في أُصُولهِم، في عِللِ (٢) الرِّبا، في غيرِ موضِع من كِتابِنا هذا، فلا وجهَ لإعادتِهِ هاهُنا.


(١) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني ١٢/ ٢١٤.
(٢) هذه اللفظة لم ترد في الأصل، وهي ثابتة في بقية النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>