للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديثُ، وحديثُ عَمْرةَ، يدُلّانِ على أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَقْضِ بوَضع الجائحةِ في قَليلٍ ولا كثيرٍ.

والذين قالوا: بوَضْع الجائحة (١)، قالوا: معنَى هذا الحديثِ في قوله: "ليسَ لكُم إلّا ذلكَ". يعني في ذلك الوقتِ حتَّى إلى الميسرةِ، لأنَّهُ كان مُفلسًا، ويحتملُ أن يكون الذي بَقِي عليه، كان دُون الثُّلُثِ، فقال: ليسَ لكُم غيرُ ذلكَ.

وخالَفهُم غيرُهُم، فقالوا: لو كان ذلكَ، لبُيِّن في الحديثِ. وهذه دعوى، وقد قال قومٌ: إنَّ معنى الأمْرِ بوَضْع الجَوائح، إنَّما هُو في وَضْع خَراج الأرضِ وكِرائها عمَّن أصابَ زَرْعهُ وثَمرهُ آفةٌ.

ومنهُم من قال: إنَّما هذا قبلَ القَبْضِ، فإذا قبضَ المُبتاعُ ما ابتاعَهُ، فلا جائحةَ فيه.

ومنهُم من قال: الأمرُ بوَضْع الجوائح، إنَّما كان على النَّدبِ إلى الخَيْرِ، بدليل حديثِ عَمْرةَ هذا، وقولُهُ فيه: "تألَّى ألّا يفعلَ خيرًا"، لا أنَّهُ شيءٌ يجِبُ القَضاءُ به، لأنَّ العُلَماءَ مُجمِعُونَ، على أنَّ من قبضَ ما يبتاع بما يجِبُ به قَبضُهُ من كَيْل، أو وَزْنٍ، أو تسليم، وصارَ في يدِ المُبتاع، كما كان في يدِ البائع، أنَّ المُصِيبةَ والجائحَةَ فيه من المُبتاع.

إلّا أنَّ (٢) الثِّمارَ إذا بيعَتْ بعدَ بُدُوِّ صَلاحِها، فإنَّهُمُ اختلفُوا في ذلكَ، فواجِبٌ ردُّ ما اختلَفُوا فيه، إلى ما أجمَعُوا عليه من نَظِيره (٣)، وفي هذه المسألةِ نَظرٌ.

وقد ذكَرْنا مذهب مالكٍ، وأهلِ المدينةِ فيها، ومذهَبَ غيرِهِم أيضًا، وحُجَّةَ كلِّ فريقٍ منهُم، في بابِ حُميدٍ الطَّويل، من كِتابِنا هذا، فلا وَجْهَ لإعادةِ ذلكَ هاهُنا، وباللّه التَّوفيقُ.


(١) قوله: "قالوا: بوضع الجائحة" سقط من ض، م. وانظر تفاصيل وضع الجوائح في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ١٠٠، والإشراف لابن المنذر ٦/ ٢٩، والمغني لابن قدامة ٤/ ٨٠.
(٢) "إن" سقطت من م.
(٣) في م: "نظير".

<<  <  ج: ص:  >  >>