للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ جُرَيج: بنُو عَمرِو بن عَوْفٍ اسْتَأذنُوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في بُنيانِهِ، فأذِنَ لهم، ففرَغُوا منهُ يومَ الجُمُعةِ، فصَّلَوا فيه يومَ الجُمُعةِ، ويومَ السَّبتِ، ويومَ الأحدِ، وانهارَ يومَ الاثْنَينِ في نارِ جَهنَّمَ (١).

قال أبو عُمر: كلامُ ابن جُرَيج لا أدري ما هُو؟ والذي انهارَ في نارِ جهنَّم مسجِدُ المُنافِقينَ، لا يختلفُ العُلماءُ في ذلك، ولستُ أدري أبنُو عَمرِو بن عَوْفٍ، هُم، أم بنُو غَنْم؟

وقولُ سعيدِ بن جُبيرٍ في هذا مُخالفٌ لما قال ابنُ جُريج، وسعيدُ بن جُبيرٍ أجلُّ، ومعلُومٌ أنَّ المسجدَ الذي كان يأتيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقُباء، ليسَ بالمسجدِ الذي انهارَ في نارِ جهنَّمَ.

وأمّا قولُهُ عزَ وجلَّ: {فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فإنَّ أهل التَّفسيرِ قالوا: إنَّهُ كان يُحفَرُ ذلك الموضِعُ الذي انهارَ، فيخرُجُ منهُ دُخانٌ. وقال بعضُهُم: كان الرَّجُلُ يُدخِلُ فيه سَعْفةً من سَعْفِ النَّخل، فيُخرِجُها سوداءَ مُحرَّقةً.

ورَوَى عاصِمُ بن أبي النَّجُودِ، عن زِرِّ بن حُبَيشٍ، عن ابن مسعُودٍ، أنَّهُ قال: جهنَّمُ في الأرضِ، ثُمَّ تلا: {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} (٢).

قال أبو عُمر: لا يختلفُونَ أنَّ مسجِدَ الضِّرارِ بقُباءٍ، واختلَفُوا في المسجدِ الذي أُسِّسَ على التَّقوى.

وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المسجدِ الذي أُسِّسَ على التَّقوى: أنَّهُ مَسجدُهُ - صلى الله عليه وسلم -، وهُو أثبتُ من جِهَةِ الإِسنادِ عنهُ، من قولِ من قال: إنَّهُ مَسجدُ قُباءٍ، وجائزٌ أن يكونا جميعًا أُسِّسا على تَقْوَى الله، بل معلُومٌ أنَّ ذلكَ كذلك إن شاءَ الله.


(١) أخرجه الطبري في تفسيره ١٤/ ٤٩٣ (١٧٢٤٧) من طريق حجاج، عن ابن جريج، به.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره ٨/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>