للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُهُ، والأوزاعيُّ: من باعَ نَخْلًا، فثَمرُها للبائع، إلّا أن يشترِطَ المُبتاعُ، وسواءٌ أُبِّرت، أو لم تُؤَبَّر، هي للبائع أبدًا، إلّا أن يَشْترِطها المُبتاعُ.

وقال ابنُ أبي ليلى: الثَّمَرةُ للمُشْتري، اشترطها، أو لم يَشْترِطها، كسعَفِ النَّخل (١).

قال أبو عُمر: أمّا الكُوفيُّونَ والأوزاعيُّ، فلا يُفرِّقُونَ بين المُؤَبَّرِ، وغيرِهِ، ويجعلُونَ الثَّمرةَ للبائع، إذا كانت قد ظَهَرت قبلَ البيع. ومن حُجَّتِهِم: أنَّهُ لم يختَلِفْ قولُ من شرطَ التَّأبير إذا (٢) لم تُؤَبَّر حتَّى تناهَتْ وصارَتْ بلَحًا أو بُسرًا، ثُمَّ بيعَ النَّخلُ، أنَّ الثَّمَرةَ لا تدخُلُ فيه. قالوا: فعَلِمنا أنَّ المعْنَى في ذِكرِ التَّأبيرِ، ظُهُورُ الثَّمَرةِ.

قال أبو عُمر: الإبارُ عندَ أهل العِلم في النَّخلِ التَّلقيحُ، وهُو أن يُؤخَذَ شيءٌ من طَلْع النَّخل، فيُدخل بين ظَهْراني طَلْع الإناثِ، ومعنى ذلك في سائرِ الثِّمارِ، ظُهُورُ الثَّمَرَةِ من التِّينِ وغيرِهِ، حتَّى تكون الثَّمَرَةُ مرئيَّةً، منظُورًا إليها.

والمُعتَبرُ به عندَ مالكٍ، وأصحابِهِ، فيما يُذكَّرُ من الثِّمارِ التَّذكيرُ، وفيما لا يُذكَّرُ، أن يثبُتَ من نوّارِهِ ما يثبُتُ، ويسقُطَ ما يسقُطُ. وحدُّ ذلك في الزَّرع، ظُهُورُهُ من الأرْضِ؛ قالهُ مالكٌ. وقد رُوِيَ عنهُ: أنَّ إبارهُ، أن يتَحبَّب.

قال أبو عُمر: لم يختلفِ العُلماءُ: أنَّ الحائطَ إذا انشقَّ طَلْعُ إناثِهِ، فأُخِّر إبارُهُ، وقد أُبِّر غَيرُهُ مِمَّن حالُهُ مِثلُ حاله: أنَّ حُكمهُ، حُكمُ ما أُبِّر، لأنَّهُ قد جاءَ عليه وقتُ الإبارِ، وظَهَرتْ ثمرتُهُ بعد تَغيُّبِها في الجفِّ (٣)، فإن أُبِّر بعضُ الحائطِ، كان ما لم يُؤَبَّر تبعًا لهُ، كما أنَّ الحائطَ إذا بَدا صلاحُهُ، كان سائرُ الحائطِ تبعًا لذلك الصَّلاح، في جَوازِ بيعِهِ.


(١) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٩٥ (١١٧٣)، والاستذكار ٦/ ٣٠٢.
(٢) في ظا، م: "لو".
(٣) الجف: غشاء الطلع إذا جف. انظر: لسان العرب ٩/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>