للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُو غيرُهُ، فقد أحالُوا، وجاؤُوا بما لا يُعقَلُ، لأَنَّهُ ليس ثمَّ كلام غير ذلك، وإن قالوا: هُو ذلك الكلامُ بعينِهِ، قيل لهم: كيف يجُوزُ أن يكونَ الكلامُ الذي به اجتمعا، وتمَّ به بيعُهُما، به افْتَرقا وبه انفسَخَ بيعُهُما، هذا ما لا يُفهَمُ ولا يُعقَلُ، والاجتِماعُ ضِدُّ الافْتِراقِ، فكيفَ يجُوزُ أن يكونَ الكلامُ الذي اجْتَمعا به افْتَرقا به نفسِهِ، هذا عينُ المُحالِ، والفاسِدُ من (١) المقالِ.

وأمّا قولُهُم: المُتساوِمانِ، في معنى المُتبايِعينِ. فلا وجهَ لهُ، لأنَّهُ لا تكونُ حينئذٍ في الكلام فائدةٌ، ومَعلُومٌ أنَّ المُتساوِمينِ بالخيارِ، كلُّ واحدٍ منهُما على صاحِبِهِ، ما لم يَقَع الإيجابُ بالبيع والعَقدِ والتَّراضي، فكيف يرِدُ (٢) الخبرُ بما لا يُفيدُ فائدةً، وهذا ما لا يظُنُّهُ ذُو لُبٍّ على رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وأمّا اعتِلالُهُم بتَسْميةِ الفاعِلِ بفِعلِهِ الدّائم، ما دام يفعلُهُ، كالمُصلِّي والآكِلِ، وشِبهِ ذلك، فيدخُلُ عليهم أنَّ هذا لا يصحُّ إلّا في الأفعالِ المُتعلِّقةِ بواحدٍ، كالصَّوم والصَّلاةِ والأكلِ والشُّربِ وما أشبَهَ ذلك، وأمّا الأفعالُ التي لا تتِمُّ إلّا مِنِ اثْنَينِ، كالمُبايَعةِ والمُقاتَلَةِ والمُبارَزةِ وما أشبَهَ ذلك، فلا يجُوزُ أن يتِمَّ الاسمُ إلّا وهُو موجُودٌ منهُما جميعًا، ويدخُلُ عليهم أيضا أنَّ السّارِق والزّاني وما أشَبَههُما، لا يقعُ عليهما (٣) الاسمُ، إلّا بعد تمام الفِعلِ المُوجِبِ للحدِّ، وما دامَ الاسمُ موجُودًا، فالحدُّ واجِبٌ، إن لم يُقَمْ، حتَّى يُقام.

وأمّا قولُهُم: لمّا لم يكُن لاجتِماع الأبْدانِ تأثيرٌ في البَيعْ، فكذلكَ الافْتِراقُ في الأبدانِ لا يُؤَثِّرُ في البَيْع، فيدخُلُ عليهم أنَّ التَّبايُع لِما لم يَكُن فيه بُد من الكلام، ثُمَّ ذُكِرَ عَقِبَهُ التَّفَرّق، عُلِم أنَّهُ أُريدَ به غيرُ الكلام.


(١) في ظ: "في"، والمثبت من الأصل.
(٢) في م: "برد".
(٣) في م: "عليه"، والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>