للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعارَضهُمُ الأوَّلُونَ بأنْ تأوَّلُوا (١) قولَهُ عليه السَّلامُ: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجالِ أوَّلهُا، وشرُّها آخِرُها، وشرُّ صُفُوفِ النِّساءِ، أوَّلهُا، وخيرُها آخِرُها" إنَّما خرَجَ على قوم كانوا يتأخَّرُون من أجلِ النِّساءِ، حتَّى أُنزِلت: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (٢) [الحجر: ٢٤]، فحينئذٍ قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك القول. ولا دليلَ فيه على ما ذهَبُوا إليه، إذا كان على ما ذكَرْنا، وفي المسألةِ نَظرٌ، والفضائلُ إنَّما تُعرَفُ بما صحَّ من التَّوقيفِ عليها، فما صَحَّ من ذلك، سُلِّمَ لهُ وطُمِعَ في بركتِهِ.

والمعنى في فَضلِ الصَّفِّ الأوَّلِ: التَّبكيرُ، وانتِظارُ الصَّلاةِ، وليسَ مَن تأخَّر وصارَ في الصَّفِّ الأوَّلِ، كمَنْ بكَّرَ وانتظرَ الصلاةَ. وسيأتي ذِكرُ هذا المعنى في بابِ سُميٍّ، إن شاءَ الله.

وفي فضلِ الصَّلاة في الجَماعة (٣) أحاديثُ مُتواتِرةٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أجمعَ العُلماءُ على صِحَّةِ مَجيئها، وعلى اعْتِقادِها، والقولِ بها. وفي ذلك ما يُوضِّحُ بِدْعةَ الخَوارِج، ومُخَالفتَهُم لجَماعةِ المُسلِمينَ، في إنكارِهِمُ الصَّلاةَ في جَماعةٍ، وكَراهيتِهِم لأنْ يأْتمَّ أحَدٌ بأحَدٍ في صِلاتِهِ، إلّا أن يكونَ نبيًّا أو صِدِّيقًا، أجارَنا اللهُ من الضَّلالِ برَحْمتِهِ، وعَصَمَنا بفَضْلِهِ، لا إلهَ إلّا هُو.


(١) في ظا: "قالوا".
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٥/ ٥ (٢٧٨٣)، وابن ماجة (١٠٤٦)، والترمذي (٣١٢٢)، والبزَّار في مسنده ١١/ ٤٣٦ (٥٢٩٦)، والنَّسَائي في المجتبى ٢/ ١١٨، وفي الكبرى ١/ ٤٥٥ (٩٤٥)، وابن خُزَيْمَة (١٦٩٦)، وابن حِبَّان ٢/ ١٢٦ (٤٠١)، والطبراني في الكبير ١٢/ ١٧١ (١٢٧٩١)، والحاكم في المُسْتَدْرَك ٢/ ٣٥٣، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٩٨، من حديث ابن عبَّاس. وانظر: المسند الجامع ٩/ ٤٣٤ - ٤٣٥ (٦٨٤١).
وقد قال التِّرْمِذِيّ بعد روايته لهذا الحديث من طريق نوح بن قيس الحداني، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبَّاس: "وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه، ولم يذكر فيه: عن ابن عبَّاس، وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح". يعني: مرسلًا.
(٣) في ظا: "وفي أحاديث فضل الجماعة ... " والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>