للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الحديثِ دليلٌ واضِحٌ على إبطْالِ قولِ من قالَ: لا يُتوَضَّأُ بفَضْلِ المرأةِ؛ لأنَّ المرأةَ والرَّجُلَ إذا اغْتَرفا جميعًا من إناءٍ واحدٍ في الوُضُوءِ، فمعلُومٌ أنَّ كلَّ واحدٍ منهُما مُتوضِّئٌ بفَضْلِ صاحِبِهِ.

وقد وَرَدت آثارٌ في هذا البابِ مرفُوعةٌ في النَّهي عن (١) أن يتوضَّأَ الرَّجُلُ بفَضْلِ المرأةِ، وزادَ بعضُهُم في بَعضِها: "ولَكِن ليَغْترِفا جميعًا".

فقالت طائفةٌ: لا يجُوزُ أن يَغْترِفَ الرَّجُلُ مع المرأةِ في إناءٍ واحدٍ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهُما مُتوضِّئٌ حينَئذٍ بفَضْلِ صاحِبِهِ.

وقال آخرُونَ: إنَّما كُرِهَ من ذلكَ أن تنفرِدَ المرأةُ بالإناءِ، ثُمَّ يتوضَّأَ الرَّجُلُ بعدَها بفَضْلِها.

وكلُّ واحدٍ منهُم رَوَى لما (٢) ذهَبَ إليه أثرًا، ولم أرَ لذِكرِ تلكَ الآثارِ وجهًا في كِتابي هذا؛ لأنَّ الصَّحيحَ عِندي ما رُوِيَ مِمّا يُضادُّها ويُخالِفُها، مِثلُ حديثِ هذا الباب، وحديثِ عائشةَ في أنَّها كانت تَغْتسِلُ هي ورسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ واحدٍ، هُو الفَرَقُ (٣).

والذي ذهَبَ إليه جُمهُورُ العُلماءِ وجماعةُ فُقهاءِ الأمصارِ: أنَّهُ لا بأسَ أن يتوضَّأَ الرَّجُلُ بفَضْلِ المرأةِ، وتتوضَّأَ المرأةُ بفَضْلِهِ، انْفَردت بالإناءِ، أو لم تنفرِد، وفي مِثلِ هذا آثارٌ كثيرةٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صِحاحٌ.

والذي يُذهَبُ إليه: أنَّ الماءَ لا يُنجِّسُهُ شيءٌ، إلّا ما ظهَرَ فيه من النَّجاساتِ، أو غلَبَ عليه (٤) منها، فلا وجهَ للاشْتِغالِ بما لا (٥) يصِحُّ من الآثارِ والأقوالِ، واللّهُ المستعانُ.

قرأتُ على عبدِ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا


(١) في الأصل: "على"، والمثبت من بقية النسخ.
(٢) في ض، م: "بما".
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٨٩ (١١٠). والفَرَق، بالتحريك: مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وهي اثنا عشر مدًّا، أو ثلاثة آصُع عند أهل الحجاز. انظر: النهاية لابن الأثير ٣/ ٤٣٧.
(٤) في م: "عليها".
(٥) "لا" سقطت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>