للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا - واللّه أعلمُ - وما أشبَهَهُ، كَرِهَ اتِّخاذَ الكِلابِ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقدِ اختُلِفَ في هذا الحديثِ، فقيلَ: هُو خُصُوصٌ لجِبريلَ وَحْدَهُ - صلى الله عليه وسلم -، بدليلِ الحَفَظةِ، وقيل: بلِ الملائِكةُ على عُمُوم الحديثِ، واللّه أعلمُ.

وفي قولِهِ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: "نَقَصَ من عَملِهِ، أو من أجرِهِ" يُريدُ من أجْرِ عَملِهِ "كلَّ يوم قيراطانِ" دليلٌ على أنَّ اتِّخاذَها ليسَ بمُحرَّم؛ لأنَّ ما كان مُحرَّمًا اتِّخاذُهُ، لم يجُزِ اتِّخاذُهُ ولا اقْتِناؤُهُ على حالٍ، نَقصَ من الأجرِ أو لم ينقُص، وليسَ هذا سبيلَ النَّهي عن المُحرَّماتِ، أن يُقال فيها: من فَعلَ كذا، ولكنّ هذا اللَّفظَ يدُلُّ، واللّه أعلمُ، على كَراهيةٍ، لا على تحريم.

ووجهُ قولِهِ عليه السَّلامُ في هذا الحديثِ من نُقصانِ الأجرِ، محمُولٌ عِندِي، واللّه أعلمُ، على أنَّ المعانيَ المُتعبَّدَ بها في الكِلابِ، من غَسْلِ الإناءِ سبعًا إذا وَلَغت فيه، لا يكادُ يُقامُ بها، ولا يَكادُ يُتَحفَّظُ منها؛ لأنَّ مُتَّخِذَها لا يَسْلمُ من وُلُوغِها في إنائِهِ، ولا يكادُ يُؤَدِّي حقَّ الله في عِبادَةِ الغَسْلاتِ من ذلكَ الوُلُوغ، فيدخُلُ عليه الإثمُ والعِصْيانُ، فيكونُ ذلكَ نقصًا في أجرِهِ، بدُخُولِ السَّيِّئاتِ عليه.

وقد يكونُ ذلك من أجلِ أنَّ الملائِكةَ لا تدخُلُ بيتًا فيه كَلْبٌ ونحوِ ذلك، وقد يكونُ ذلكَ بذهابِ أجْرِهِ في إحسانِهِ إلى الكِلابِ؛ لأنَّ معلُومًا، أنَّ في الإحْسانِ إلى كلِّ ذي كَبِدٍ رطبةٍ أجرًا.

لكنَّ الإحسانَ إلى الكَلْبِ ينقصُ الأجرُ فيه، أو يبلُغُهُ ما يلحقُ مُقْتنيَهِ ومُتَّخِذَهُ من السَّيِّئاتِ، بتركِ أدَبِهِ لتلكَ العِباداتِ، في التَّحفُّظِ من وُلُوغِهِ، والتَّهاوُنِ بالغَسْلاتِ منهُ ونحوِ ذلكَ، مِثلَ تَرْويع المُسلِم، وشِبْهِهِ، واللّه أعلمُ، بما أرادَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من قولِهِ ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>