للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في موضِع آخرَ من سماع ابن القاسم: قال مالكٌ، وذُكِر لُبْسُ الخزِّ، فقال: قَوْمٌ يَكْرهُونَ لِباسَ الخزِّ، ويَلْبسُونَ القَلانِسَ بالخزِّ، فعَجِبنا من اختِلافِ رأيِهِم (١).

قال مالكٌ: وإنَّما كُرِهَ لِباسُ الخزِّ بأنّ سَداهُ حريرٌ.

وقال أبو نُعَيم وَهْبُ بن كَيْسانَ: رأيتُ سَعْدَ بن أبي وقّاصٍ، وجابرَ بن عبدِ الله، وأبا هُريرةَ، وأنسَ بن مالكٍ يَلْبسُونَ الخزَّ (٢).

وفي حَديثِ صَفْوانَ بن عبدِ الله بن صَفْوانَ: أنَّ سعدًا اسْتَأذنَ على ابن عبّاسٍ (٣) وعليه مِطْرفُ خزٍّ شطرُهُ (٤) حَرِيرٌ، فقيل لهُ في ذلك، فقال: إنَّما يَلي جِلدي منهُ الخَزُّ (٥).

واحتجَّ الطَّحاويُّ (٦) بخبَرِ سَعْدٍ هذا في أنَّ خَزَّ القَوم كان فيه حَريرٌ، وأرْدَفهُ بحديثِ عمّارِ بن أبي عمّارٍ: أنَّ مروانَ قَدِمت عليه مَطارِفُ خزٍّ، فكَساها أصحابَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكأنِّي أنظُرُ إلى أبي هُريرةَ عليه منها مِطْرفٌ أغبَرُ، وكأنِّي أنظُرُ إلى طُرُقِ الإبْرَيسِم فيه. قال: فدَلَّ (٧) هذا على أنَّ الخزَّ الذي لبِسُوهُ، هُو الذي فيه الحَريرُ.

قال أبو عُمر: لبِسَ الخزَّ جَماعةٌ من جِلَّةِ العُلماءِ، لو ذكَرْناهُم، لأطَلْنا وأمْلَلْنا وخَرَجنا عمّا لهُ قَصَدْنا، ولكِنَّهُمُ اختلفُوا هل كان فيه حريرٌ أم لا؟ واجتِنابُ ذلك لمن يُقْتَدَى به أوْلى، ولا يُقطَعُ على تحريم شيءٍ إلّا بيقينٍ، لكِنَّهُ مِمّا سُكِتَ عنهُ، وعُفِيَ عنهُ.


(١) انظر: البيان والتحصيل ٥/ ١٧، وذكر المؤلف هذه الأقوال في الاستذكار ٨/ ٣٢١.
(٢) أخرجه معمر في جامعه (١٩٩٦٣)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٥٦، من طريق وهب بن كيسان، به.
(٣) هكذا في النسخ، وفي مصادر التخريج: "ابن عامر".
(٤) في الأصل: "سطره"، وفي م: "سقوه"، وكله تصحيف.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٥١٢٩)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٤٨، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٢٦٧، من طريق صفوان بن عبد الله، به.
(٦) في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٥٦.
(٧) في م: "يدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>