للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يختلِفِ العُلماءُ في الصَّدَقةِ التَّطوُّع، أنَّها جائزةٌ من المُسلِم على المُشرِكِ، قريبًا كان أو غيرَهُ، - والقريبُ أُولى مِمَّن سِواهُ، والحَسَنةُ فيه أتمُّ وأفْضَلُ - وإنَّما اختلفُوا في كفّار الأيمانِ، وزكاةِ الفِطْرِ، فجُمهُورُ العُلماءِ على أَنَّهُ لا تجُوزُ لغيرِ المُسلِمينَ، لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرتُ أن آخُذَ الصَّدقةَ من أغْنِيائكُم، وأرُدَّها على فُقرائكُم" (١). وكذلك كلُّ ما يجِبُ أن يُؤخذَ منهُم، فواجِبٌ أن يرُدَّ على فُقرائهِم.

وأجمعُوا أنَّ الزَّكاةَ المفرُوضةَ لا تحِلُّ لغيرِ المُسلِمينَ، فسائرُ ما يجِبُ أداؤُهُ عليهم، من زَكاةِ الفِطرِ، وكفّارةِ الأيمانِ، والظِّهارِ، فقياسٌ على الزَّكاةِ عندَنا، وأمّا التَّطوُّعُ بالصَّدَقةِ، فجائزٌ على أهلِ الكُفرِ، من القَراباتِ وغيرِهِم، لا أعلمُ في ذلك خِلافًا، واللّه أعلمُ.

روى الثَّوريُّ، عن الأعْمَشِ، عن جَعْفرِ بن إياسٍ، عن سَعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانوا يكرهُونَ أن يَرْضَخُوا (٢) لأنْسابِهِم من أجْلِ الكُفرِ، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} الآيةَ (٣) [البقرة: ٢٧٢].

أخبرنا محمدُ بن عبدِ الملِكِ، قال: حدَّثنا أبو سعيدِ بنُ الأعرابيِّ، قال: حدَّثنا سعدانُ بن نصرٍ، قال: حدَّثنا سُفيانُ، عن أيُّوبَ، عن عِكْرِمةَ: أنَّ صفيَّةَ


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده (٩٣٦)، وأحمد في مسنده ٣٨/ ٢٠٦ (٢٣١٢٧)، والبخاري في الأدب المفرد (١٠٨٤) من حديث ربعي بن حراش، عن رجل من بني عامر. وتقدم تخريجه في ٣/ ٢٠٠.
(٢) الرضح: القليل من العطية. انظر: لسان العرب ٢/ ٤٥١.
(٣) أخرجه البزار في مسنده ١١/ ٢٥٧ (٥٠٤٢)، والنسائي في الكبرى ١٠/ ٣٧، ٣٨ (١٠٩٨٦)، والطبري في تفسيره ٥/ ٥٨٨ (٦٢٠٤)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٢٨٥، والبيهقي في الكبرى ٤/ ١٩١، من طريق سفيان الثوري، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>