وقال ابنُ عَوْنٍ، عن نافع، عن ابن عُمرَ، قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحِلُّ لامرِئٍ مُسلِم لهُ مالٌ يُوصي فيه ... " الحديثَ (١).
هكذا قال:"لا يحِلُّ". ولم يُتابَعْ على هذه اللَّفظةِ، واللّه أعلمُ.
ففي هذا الحديثِ: الحضُّ على الوصيَّةِ، والتّأكيدُ في ذلك. وهذا على النَّدبِ، لا على الإيجابِ عندَ الجميع، لا يختلِفُونَ في ذلكَ.
وقد أجمعَ العُلماءُ على أنَّ الوصيَّةَ غيرُ واجِبةٍ على أحَدٍ، إلّا أن يكونَ عليه دينٌ، أو تكونَ عندَهُ وديعةٌ أو أمانةٌ، فيُوصي بذلكَ. وفي إجماعِهِم على هذا بيانٌ لمعنى الكِتابِ والسُّنَّةِ في الوصيَّةِ.
وقد شذَّت طائفةٌ، فأوجبتِ الوَصيَّةَ، لا يُعدُّون خِلافًا على الجُمهُورِ، واحتجُّوا بظاهِرِ القُرآنِ، وقالوا: المعرُوفُ واجِبٌ، كما يجِبُ تركُ المُنكر. قالوا: وواجِبٌ على النّاسِ كلِّهِم أن يكونُوا من المُتَّقينَ.
قال أبو عُمر: ليسَ في كِتابِ الله ذِكرُ الوَصيَّةِ، إلّا في قولِهِ عزَّ وجلَّ:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: ١٨٠]، وهذه الآيةُ نزلت قبل نُزُولِ الفرائضِ والمواريثِ، فلمّا أنزلَ اللهُ حُكمَ الوالِدينِ وسائرِ الوارثينَ في القُرآنِ، نسخَ ما كان لهم من الوصيَّةِ، وجعلَ لهم مَواريثَ معلُومةً، على حسَبِ ما أحكَمَ من ذلك تبارك وتعالى.
وقد رُوي عن ابن عبّاسٍ وسعيدِ بن جُبيرٍ والحسنِ: أنَّ آيةَ المَواريثِ
(١) أخرجه النسائي في المجتبى ٦/ ٢٣٩، وفي الكبرى ٦/ ١٤٩ (٦٤١١)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٩/ ٢٦٠ (٣٦٢٧) من طريق ابن عون، به.