للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمدُ بن المُثنَّى. قالوا: حدَّثنا أبو مُعاويةَ، قال: حدَّثنا الأعمشُ، عن شَقيقٍ (١) أبي وائل، عن مسرُوقٍ، عن عائشةَ، قالت: ما ترَكَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دينارًا، ولا دِرهمًا، ولا شاةً، ولا بَعِيرًا، ولا أوْصَى بشيءٍ.

قال أبو عُمر: أمّا تَرْكُهُ - صلى الله عليه وسلم - الوصيَّةَ، ونَدْبُهُ أُمّتَه إليها، فإنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - ليسَ كأحدٍ من أُمَّتِهِ في هذا؛ لأنَّ ما تَخلَّفَهُ هُو فصَدَقةٌ، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّا لا نُورَثُ، ما ترَكنا فهُو صَدَقةٌ" (٢). وإذا كان ما يُخلِّفُهُ صَدَقةً، فكيفَ يُوصِي منهُ بثُلثٍ؟ أو كيفَ يُشَبَّهُ في ذلك بغير، وغيرُهُ لا تجُوزُ لهُ الوصيَّةُ، خاصَّةً وما تخلَّفَهُ هُو - صلى الله عليه وسلم - بعدَ فصدقةٌ كلُّهُ، على ما قال - صلى الله عليه وسلم -؟

ووجهٌ آخرُ، وهُو قولُ الله عزَّ وجلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: ١٨٠]، والخيرُ هاهُنا: المالُ، لا خِلافَ بينِ أهلِ العِلم في ذلكَ، ومِثلُ قولِهِ عزَّ وجلَّ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠]، وقولِهِ: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: ٨]. وقولِه: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} [ص: ٣٢]. وقولِه: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (٣) [النور: ٣٣]. الخيرُ في هذه الآياتِ كلِّها: المالُ، وكذلك قولُهُ عزَّ وجلَّ حاكيًا عن شُعيبِ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} [هود: ٨٤]، يعني الغِنَى.

ورسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترُك دينارًا ولا دِرهمًا، ولا بعيرًا ولا شاةً، وقال: "ما ترَكتُ بعدي صَدَقةٌ" (٤)، وقال: "إنّا مَعْشَر الأنبياءِ لا نُورَثُ، ما ترَكنا فهُو صَدَقةٌ". وقد مَضَى تفسيرُ ذلك في بابِ ابن شِهاب، عن عُروةَ، من كِتابِنا هذا، والحمدُ للّه.


(١) في م: "شقيق بن أبي وائل"، محرف، وهو شقيق بن سلمة، أبو وائل الأسدي. انظر: تهذيب الكمال ١٢/ ٥٤٨.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٢ (٢٨٤٠) من حديث عائشة.
(٣) قوله: "وقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} لم يرد في الأصل.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥٩٢ (٢٨٤٠) من حديث عائشة. وانظر: في شرحه ما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>