للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كلُّهُ يدُلُّك على أنَّ الأمرَ بالوصيَّةِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ على النَّدبِ، لا على الإيجاب، ولو كانتِ الوَصِيَّةُ واجِبةً في الكِتابِ للوالِدينِ والأقْرَبينَ، كانت مَنْسُوخةً بآيةِ المواريثِ، ثُمَّ ندَبَ رسُولُ الله إلى الوَصِيَّةِ لغيرِ الوالِدينِ، وحضَّ عليها، وقال: "لا وصيَّةَ لوارِثٍ" (١). فاستقامَ الأمرُ وبانَ، واللّه المُستعانُ.

فالوَصيَّةُ مندُوبٌ إليها، مرغُوبٌ فيها، غيرُ واجِبٍ شيءٌ منها.

واتَّفقَ فُقهاءُ الأمْصارِ على أنَّ الوصيَّةَ جائزةٌ في كلِّ مالٍ، قلَّ أو كثُرَ، وقد مَضَى القولُ في الوصيَّةِ بالثُّلُثِ، وأنَّهُ لا يُتَعَدَّى، ولا يُتَجاوَزُ في الوصيَّةِ وما اسْتُحبَّ من ذلكَ، وتلخيصُ وُجُوهِ القولِ فيه مُسْتوعِبًا، في بابِ ابن شِهاب (٢)، عن عامِرِ بن سعدِ بن أبي وقّاصٍ، من كِتابِنا هذا، فلا وجهَ لإعادتِهِ هاهُنا.

قرأتُ على عبدِ الله بن محمدِ بن عبدِ المُؤمِنِ، أنَّ محمد بن بكرٍ حدَّثهُم، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٣): حدَّثنا أحمدُ بن محمدٍ المروزيُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن حُسينِ بن واقِدٍ، عن أبيهِ، عن يزيدَ النَّحويِّ، عن عِكْرِمةَ، عن ابن عبّاسٍ: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠]، فكانتِ الوصيَّةُ كذلكَ، حتَّى نسَخَتها آيةُ الميراثِ.

وقرأتُ على أحمد بن قاسم وعبدِ الوارثِ بن سُفيانَ، أنَّ قاسمَ بن أصبَغَ حدَّثهُم، قال: حدَّثنا محمدُ بن إسماعيلَ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن صالح، قال: حدَّثني مُعاويةُ بن (٤) صالح، عن عليِّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقولُهُ:


(١) سيأتي بإسناده، ويخرج في موضعه.
(٢) في الأصل: "ابن هشام".
(٣) أخرجه في سننه (٢٨٦٩). ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٦/ ٢٦٥. وأخرجه البخاري (٢٧٤٧) من طريق عطاء، عن ابن عباس، بنحوه.
(٤) في الأصل، م: "معاوية بن أبي صالح"، محرف، وهو معاوية بن صالح بن حدير بن سعيد الحضرمي، أبو عمرو الحمصي. انظر: تهذيب الكمال ٨/ ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>