قلنا: قد وَهِمَ في ذلك تبعًا للمصنِّف هنا، فالحديث الذي أشار إليه أخرجه مسلمٌ من ثلاث طرق، وفي أحدها (٢٨) (٥٣٤)، وهي طريق منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعيِّ بالإسناد المذكور الذي ساقه المصنف، وقع التصريح برفعه، ففي آخره: "قال: هكذا فعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وقد حاول بعض العلماء دفع هذا الإشكال، ومنهم الحازمي الذي تناول هذا الحديث مع حديث أنس -حديث الباب- فقال في الاعتبار ص ١٠٦: "حديث عبد اللَّه بن مسعود منسوخ، لأن ابن مسعود إنما تعلَّم هذه الصلاة من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بمكّة، وفيها التطبيق -يعني تطبيق اليدين ووضعهما بين الرجلين في حال الركوع- وأحكام أُخَرُ، هي الآن متروكة، وهذا الحُكم من جملتها، ولمّا قَدِمَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة تركَهُ". وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ٢/ ٢٧٤: "وحُمل هذا على أنّ ابن مسعود لم يبلُغْهُ النسخُ". ونحو ذلك قال ابنُ الهُمام في فتح القدير ١/ ٣٥٦: في سياق تعقُّبه على كلام المصنِّف والنَّووي القائل في الخُلاصة: الثابتُ في صحيح مسلم أن ابن مسعود لم يقل هكذا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله، قال: "كأنّهما ذُهِلا، فإن مسلمًا أخرجه من ثلاث طرق. . . " ثم قال: "وغاية ما فيه خفاءُ الناسخ على عبد اللَّه، وليس ببعيد؛ إذ لم يكن دأْبُه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلّا إمامةَ الجمع دون الاثنين إلّا في النُّدْرةِ كهذه القصّة. وحديثُ اليتيم وهو في داخل بيتِ امرأةٍ فلم يطَّلع عبدُ اللَّه على خلاف ما عَلِمَه".