للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: هكذا في الحديثِ: "أجعَدَ"، والصَّوابُ عندَ أهلِ العربيَّةِ: جَعْدٌ، يُقالُ: رجُلٌ جَعْدٌ، وامرأةٌ جَعْدةٌ، ولا يُقالُ: أجعَدُ. قال الأوزاعيُّ رحِمهُ الله: أعْرِبُوا الحديثَ، فإنَّ القومَ كانوا عَرَبًا.

وأمّا الحديثُ الذي قيلَ هذا فيه (١): "إن جاءَت به أسْحَمَ، أدْعَجَ العَيْنينِ، عظيمَ الألْيَتينِ، فلا أُراهُ إلّا قد صدَقَ، وإن جاءَت به أحمرَ، كأنَّهُ وَحْرةٌ، فلا أُراهُ إلّا كاذِبًا". قال: فجاءَت به على النَّعتِ المكرُوهِ.

فالأسْحَمُ: الأسودُ من كلِّ شيءٍ، والسُّحمةُ: السَّوادُ.

والدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوادِ العَيْنِ، يُقالُ: رجُلٌ أدعجُ، وامرأةٌ دعجاءُ وعَيْنٌ دَعْجاءُ، وليلٌ أدعجُ، أي: أسودُ.

وأمّا قولُهُ: "كأنَّهُ وَحْرةٌ" فأرادَ، واللهُ أعلمُ، كأنَّهُ وَزَغةٌ؛ قال الخليلُ (٢): والوَحَرَةُ: وَزَغَةٌ تكونُ في الصَّحاري. قال: وامرأةٌ (٣) وَحَرةٌ: سوداءُ دَمِيمةٌ.

وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ واضحٌ (٤) على أنَّ المرأةَ كانت حُبلَى.

وفيه ضُرُوبٌ من الفِقهِ ظاهِرةٌ, أبْيَنُها: أنَّ القاذِفَ لزَوْجتِهِ يُجلَدُ إن لم يُلاعِنْ. وعلى هذا جَماعةُ أهلِ العِلم، إلّا ما قدَّمنا ذِكْرهُ عن أبي حَنِيفةَ في هذا البابِ، وشيءٌ رُوِيَ عن الشَّعبيِّ والحارِثِ العُكليِّ، قالوا: المُلاعِنُ إذا أكْذَبَ نفسَهُ لم يُضْرَب.

وهذا قولٌ لا وجهَ لهُ، والقُرآنُ والسُّنَّةُ يرُدّانِهِ، وَيقْضيانِ: أنَّ كلَّ من قذفَ امرأةً (٥) , ولم يخرُج بما قالهُ بشُهُودٍ أربعةٍ، إن كان أجنبيًّا، أو بلِعانٍ، إن كان زوجًا، جُلِدَ الحدَّ. ولا يصِحُّ عِندي عن الشَّعبيِّ، وكذلكَ لا يصِحُّ إن شاءَ اللهُ عن غيرِهِ.


(١) في د ٤: "ففيه".
(٢) انظر: العين ٣/ ٢٩٠.
(٣) في م: "والمرأة".
(٤) هذه الكلمة سقطت من م.
(٥) في م: "يقذف امرأته" بدل: "قذف امرأة".

<<  <  ج: ص:  >  >>